فريق ابتسم يرسم الفرح على وجوه الأطفال السوريين
رسوم على جدران مدرسة مخيم الفاتحة في ريف اللاذقية الشمالي
شعرت الطفلة هيام بالفرح، وارتسمت على ثغرها ابتسامة عريضة حين شاهدت الرسوم الملونة التي تزين جدران مدرستها، وركضت مسرعة لتنادي صديقاتها لمشاهدتها، وشرح تفاصيلها النابضة بالحياة، والمستوحاة من عالم الرسوم المتحركة المحببة لديهم، وما يحيطهم من شجر وزهر وطيور، معبرة عن أحلامهم وتطلعاتهم بغد أفضل.
الرسوم التي زينت جدران المدرسة بحلّة فنية وعالم من الألوان كانت من عمل فريق ابتسم، الذي يتمحور نشاطه حول تقديم الدعم النفسي للأطفال، ورفع وعي الآباء والأمهات والمجتمع حول ضرورة حماية الطفل، إضافة إلى تقديم النشاطات الترفيهية والألعاب والمسابقات والهدايا.
مدير الفريق محمد ديبو (29 عاماً) يقول: “تأسس الفريق في شهر أغسطس/آب من العام الحالي، ويعمل في مجال حماية الطفل وتقديم الدعم النفسي، والعمل على رفع مستوى وعي الأهل وكيفية التعامل مع الأطفال في ظل الظروف التي يعيشها أطفال المخيمات والمناطق المحررة بشكل عام.”
ويضيف ديبو: “أن فكرة إنشاء الفريق جاءت من تفاقم ظاهرة التسرب المدرسي، وانتشار عمالة الأطفال. وقلة الوعي وضعف الاهتمام بهم سواء من قبل الأهل أو المجتمع. لذلك أردنا ضمن الفريق إخراج هؤلاء الأطفال من جو الحرب الذي تضيق به صدورهم، وقسوة الحياة داخل المخيمات”.
ويتابع ديبو قائلاً: “وصل عدد المتطوعين إلى 20 متطوعاً ومتطوعة، لا يركزون على فئة معينة من الأطفال أو سن محددة، وإنما يعملون على خدمة جميع الأطفال، رغم أنهم لم يتلقوا أي دعم من أي جهة او منظمة، وإنما يعتمدون على أنفسهم في القيام بالأنشطة والحفلات الترفيهية والتعليمية في المدارس”.
ويضيف ديبو: “حالياً ومع بداية العام الدراسي الجديد قمنا بالرسم على جدران بعض المدارس من أجل استقبال الطلاب بشكل جديد، بهدف تحفيز الأطفال ورسم البسمة على وجوههم. كما قمنا أيضاً بإقامة حفلات وأنشطة في بعض المدارس، وجولات ضمن المخيمات لنساعد ونعالج موضوع التسرب المدرسي للطلاب المتخلفين عن المدرسة، وهناك مشاريع جديدة نقوم بدراستها من أجل تنفيذها في الأيام القادمة”.
كثيرة هي الصعوبات التي تواجه عمل الفريق. بغياب أي دعم ما أدى إلى النقص الكبير بالمعدات اللوجستية التي يحتاجها الفريق للقيام بالأنشطة.
وبحسب ديبو فقد لاحظ الفريق منذ بداية عمله تقبل الأهالي لهذه الفكرة، واستعدادهم التام للتعاون كونهم يهتمون بمشاكل الطفل، فبعد قيامهم برسم بعض المدارس، تواصل العديد من مدراء المدارس في منطقة ريف جسر الشغور الغربي لكي يقوموا بالرسم في مدارسهم، وتقديم نشاطات للأطفال فيها .
فاطمة عدرة (26 عاماً) إحدى المتطوعات في الفريق تتحدث عن عملها بالقول: “مئات الأطفال هجروا بيوتهم ونزحوا مع عائلاتهم. نعمل على دعم هؤلاء الأطفال وإيلائهم كل الاهتمام، ونبذل قصارى جهدنا في سبيل ذلك، ونشعر بالسعادة حين يغمر الفرح وجوه الأطفال، ونسمع تعليقاتهم على الرسوم، ونشاهد ضحكاتهم البريئة رغم كل ما مروا به”.
وتضيف فاطمة: “نراعي الظرف القاسي الذي يعيشه أولادنا، وحجم العنف الذي تعرضوا له أو شاهدوه، وما تركه من أثر على بنيتهم النفسية، جراء فقدان الثقة بأنفسهم وبالآخرين ومشاعر الخوف التي تثقل صدورهم، الأمر الذي يجعلنا نركز نشاطنا في المخيمات بشكل خاص، حيث نعمل على رسم لوحات على جدران بعض المدارس، ونساهم في تنظيف المدارس، كما ننشر الوعي بضرورة التعليم وتسليط الضوء على ظاهرة التسرب المدرسي، ونشر التوعية بضرورة التعليم، ومخاطر انتشار الجهل والأمية”.
المعلم أحمد العبود (33 عاماً) من ريف جسر الشغور يقول: “الاهتمام بالجانب الترفيهي للطفل يسهم بصورة كبيرة في بناء وتطوير شخصيته ودفعه نحو النجاح والعيش بإيجابية في الحياة، ولكن في معظم مدارس إدلب تم إلغاء المواد الترفيهية بسبب عدم وجود مكان لممارسة الأنشطة أو بسبب نقص التمويل، فلا يتاح دفع أجور معلمين لتلك المواد فيتم عادة استبدال الحصة الترفيهية من رسم وموسيقى ورياضة بمادة دراسية، علماً أن أطفالنا يحتاجون الكثير لإبعاد صور القتل وعذابات الفقد أو اللجوء عن أفكارهم”.
ويشير العبود إلى “أن فريق ابتسم ترك لمساته وبصماته على جدران المدرسة التي باتت وكأنها معرض فني للوحات متنوعة وهادفة، لذلك يستقبل الطلاب أعضاء الفريق بحفاوة كبيرة، ويتفاعلون مع رسوماتهم وأنشطتهم الترفيهية التي تخرجهم من جو الحرب إلى عالم المرح والسعادة”.
الطفل عبد المعين الحمصي (10 أعوام) يعلق على زيارة أعضاء الفريق لمدرسته الواقعة في مخيمات مدينة سراقب، ويقول: “نقضي وقتاً مسلياً حين يزور فريق ابتسم مدرستنا. يقدمون لنا العديد من المسابقات والهدايا، كما اعجبتني رسوماتهم، لذلك رميت البندقية الخشبية التي صنعتها بنفسي، وأصبحت أقلد رسوماتهم في أوقات فراغي”.
يجول أعضاء فريق ابتسم على القرى البعيدة لزيارة المدارس للتخفيف من حدة تهميشها، محاولين أن يرسموا الفرحة على ثغور الأطفال السوريين الذين عايشوا العنف والقصف والمجازر المروعة، رغم أنهم يعلمون تمام العلم أن عدد القذائف والصواريخ التي تغتال حياة الأطفال يفوق عدد الابتسامات التي يحاولون إهداءها لهم.