فتيات من القامشلي يروينَ حكاياتهن…

اوراما حنا في مقر المنظمة الاثورية...تصوير شفان ابراهيم

اوراما حنا في مقر المنظمة الاثورية...تصوير شفان ابراهيم

"في السابق كنتُ أُمارس المطالعة، لأنَّ والدي كان يدفعني لذلك، أمّا اليوم فأنا أقرأ لأنَّي بتُّ أؤمن بأنّ وطني يحتاج لإناث مُتسلّحات بالثقافة والمعرفة"

شيرين

تركت الثورة في سوريا أثرها على عادات وتقاليد البلاد. الثورة جعلت المرأة تقتحم كافة المجالات تقريباً. وذلك، بسبب التحوّلات الإجتماعية التي حصلت في السنوات الأخيرة، وبسبب هجرة الشباب الذكور إلى خارج البلد، وبالتالي ارتفاع نسبة الإناث.

لمحافظة الحسكة.

قبل الثورة، ليس كما بعدها. لعديد من الفتيات السوريات حرمن من فرصهن بالتعليم، بفعل الأحداث الأمنية والحروب التي اجتاحت البلاد، إللّا أن هذا الواقع لم يحل دون تسجيل المرأة السورية لحضور أقوى وأفعل في مختلف المجالات

حضور المرأة والمصاعب التي واجهتها كانت محور لقاء موقع حكايات سوريا مع بعض شابات مدينة القامشلي في محافظة الحسكة.

شيرين بختيار رسول (20 عاماً)، لفتت إلى التغييرات التي طرأت بعد العام 2011. وكيف أنَّ غلاء المعيشة، أثَّرَ بشكلٍ سلبي على الواقع التعليمي، حيثُ لم يعد بمقدور الفتيات إتمام دراستهن الجامعية. وتتحدث شيرين عن كثير من صديقاتها اللواتي لم يُكملن تعليمهن، بسبب انصرافهن لتكوين أُسرة.

وتقول شيرين: “والدي سجنته قوى الأمر الواقع في المحافظة، بسبب آرائه السياسية، لكنهُ كان قد زرعَ فينا حبَّ العلم. وكان حلمي أن أحصل على شهادة في الأدب الإنكليزي، لكن بسبب الأوضاع الأمنية لم أتمكّن من دراسة هذا التخصُّص الذي كان يستدعي سفري إلى خارج القامشلي. وها أنا اليوم، قد استبدلتُ ذلك الحلم بحلم الحصول على درجة الدكتوراة في إدارة الأعمال”.

شيرين وجدت في الحرب تحدياً فقررت العمل على تطوير ذاتها، كي تعمل وتثبت نفسها، فذلك ليس حكراً على الذكور على حدِّ قولها.

وتُنهي حديثها بالقول: “في السابق كنتُ أُمارس المطالعة، لأنَّ والدي كان يدفعني لذلك، أمّا اليوم فأنا أقرأ لأنَّي بتُّ أؤمن بأنّ وطني يحتاج لإناث مُتسلّحات بالثقافة والمعرفة”.

شيندا صلاح (27 عاماً) لعبَ والدها أيضاً دوراً في عدم الإستجابة لمطالب أهله في منعها من الإلتحاق بالجامعة في كلية التجارة في دمشق.

وتقول: “عمّاتي كنَّ من المتفوقات في دراستهن، لكنَّ جدي منعهن من دخول الجامعة”.

شيندا من مدينة عامودا، مقيمة حالياً مع زوجها في القامشلي، وتشارك في أبرز الأنشطة الحزبية والمدنية للمنظمات الطلابية والشبابية في الحسكة، كما أنها منسِّقة منطقة الجزيرة في منظمة مواطنون لأجل سوريا. التحقت شيندا بإحدى محطات الراديو في بداية الثورة.

تقول شيندا: “تزوّجتُ من فتى أحلامي كما أعتبرهُ، وهو شريكي في تحقيقِ ذاتي. وحصلتْ معي الكثير من التغيرات حتى قبل زواجي، وذلك لأني كنتُ قد أتيتُ إلى القامشلي، وصرتُ أنام في منزل خالي… وبالتالي كسرتُ لدى عائلتي الصورة النمطية بأنهُ لا يجوز للفتاة أن تنام خارج المنزل”.

أوراما حنا (27 عاماً) إبنة أحد قيادات المنظمة الأثورية، تتحدَّث لحكايات سوريا بألمٍ، عن عدم تحقيق حلمها بالحصول على شهادة الهندسة الحيوية مع أنها وصلت إلى السنة الرابعة، وذلك بسبب صعوبة التنقًّل من القامشلي إلى حلب حيثُ كانت تدرس.

مع ذالك تقول أوراما: “كلا لم أُصَب باليأس، ولم أستسلم فوراً، كنتُ أذهب طوال ثلاث سنوات من دراستي، برحلة جويّة من القاشلي إلى  اللاذقية، ومن اللاذقية براً إلى حلب… وذلك أمامَ هَول المشهد الدامي، إلى أن أُغلقت كل السبل بوجهي”.

تُضيفُ أوراما: “للأسف، رؤية والدَيّ للتعليم تغيّرت بعد العام 2011، صارا يمانعان ذهابي إلى حلب، وذلك بسبب تدهور الوضع فيها. فكانَ صادماً بالنسبة لي أن يكون ذلك هو موقف والدي وهو سياسي بارز، ووالدتي الطبيبة النسائية المعروفة… خوفهما الزائد علي دفعني لترك الدراسة. لا أعرف كيف يمكن معايشة هذا الواقع وهذه الحياة حيث يصبح التعليم سببا للمخاطرة بالحياة”.

كل ذلك دفعَ أوراما للبحث عن فرصتها البديلة، عبرَ السعي للمساهمة في التنمية المجتمعية، في التطوع ضمن منظمات المجتمع المدني.

أوراما تقول: “مع أني لم أكن أتوقع أن أكون في موقع المسؤولية في هذا السن، لكنّي فضّلتُ أن أبقى في محافظتي،… إنَّ حلمي في رؤية الحسكة خالية من التوترات لم يتحقَّق بعد، وسط التغيُّرات التي جاء بعضها للأسف سلبياً”.

شيماء (23 عاماً) كانت تسكن في حيّ الفيلات في دير الزور مع أسرتها، وتتحسّر على تلكَ الأيام… أمّا اليوم فهي تُقيم في القامشلي،

بسبب تراجع الوضع الصحي لشقيقتها الحامل وعدم توفر مستلزمات العلاج في دير الزور، وبسبب تكرار محاولات خطف أخيها هناك.

تعتبر شيماء نفسها من اللواتي تضررنَ كثيراً من الحرب في سوريا، حيثُ غيّرت فرعها الجامعي من كلية الحقوق إلى فرع الأدب الفرنسي، مع أنها كانت قد أتمّت سنتها الأولى في الحقوق، وذلك، بسبب تهديد تنظيم داعش بقطع رؤوس جميع طلبة كلية الحقوق كما تقول شيماء.

وتُسر شيماء لحكايات سوريا: “أشعرُ بالغربة لجهة اختلاف العادات والتقاليد بين دير الزور والقامشلي، ولطالما دخلتُ في سجالٍ عميقٍ مع بعض صديقاتي الكرديات حول هوية القامشلي ما بين الكردية والسورية. وقد صدمتني النظرة السلبية لبعض أهالي القامشلي باتجاه دير الزور… وأنا أسعى لتغيير هذه الصورة”.

أنهت دارين (31 عاماً) دراستها في معهد الصيدلة، وكانت تواظب على الدراسة في كلية التجارة في الحسكة. تعيش مع أخيها بعد سفر والديها وأخيها الصغير إلى ألمانيا.

تقول دارين: “العادات بعد الحرب لم تتغيّر، بل أصبحنا نحمل مسؤولية أكبر. صحيح أني حزينة لسفر أهلي، لكني في آن سعيدة أنهم سينعمون بحياةٍ أفضل، خاصّة أنَّ أبي كان يحتاج لعملية في القلب، ولم تكن نتائجها مضمونة لو أنهُ أجراها في سوريا… كما أنّ أخي الصغير لم يكن بإمكانه الذهاب إلى الجامعة في اللاذقية، بسبب مواقفه السياسية، فصارَ يخشى التنقُّل”.

تتصل دارين بوالدتها في ألمانيا، وتخُبرُنا الوالدة أنها تتعلّم اللغة الألمانية. ونسألُها عن تركها لدارين وشقيقها أحمد، فتقولُ الأُم: “صحيح أننا اضطررنا لتركهُما في سوريا، لكني حريصة على أن تبقى دارين تحت جناح أخيها…”

دارين لم تُخبر والديها بعد أنَّها متوقفة عن الدراسة بسبب سوء الوضع الأمني، منذُ سنة، وتقول أنها لا تُريد أن تُقلقهم أكثر عنها.

القاسم المُشترَك بينَ شيماء، أوراما، شيندا، شيرين، ودارين، أنّ جميعهن لم يستطعن بعد كسر كل الحواجز مع عوائلهن لجهة النقاش في المواضيع الإجتماعية الجريئة. لتُنهي كل منهنَّ الحديث لحكايات سوريا، على وقع الأمل بواقعٍ أفضل، بين صعوبة الوضع الأمني، وصعوبة إكمال التعليم، والإصرار على لعب دورٍ متقدّم كفتيات سوريات، وسط الحرب التي تعصف بالبلد ككل، وبالقامشلي، وهويتها.