عيادات طبية متنقلة ومجانية في إدلب

باسل، طفل يبلغ من العمر تسع سنوات من قرية السرج، إحدى قرى ريف إدلب النائية والمنسية، لم يستطع النوم لأيام بسبب ألم في أسنانه. لا تعلم الأم ما عليها فعله من أجله، بسبب عدم توافر كلفة العلاج أولاً، وبعد المراكز الطبية ثانياً. كان وصول سيارة العيادة الطبية المتنقلة إلى القرية، بمثابة هدية من السماء، حيث عاين الطبيب أسنان باسل وعمل على معالجة أسباب الألم.

الطبيب محمد الحمادي (45 عاماً) مدير صحة إدلب الحرة يقول “العيادات الطبية المتنقلة ظاهرة جديدة، انتشرت في ريف إدلب لتقديم الخدمات الطبية والإغاثية للاهالي. خاصة في القرى البعيدة، خصوصاً مع الشح الكبير الذي تعانيه المشافي من عدم توافر المواد الاسعافية،  ونقص الكوادر الطبية بعد استمرار قوات النظام بقصف تلك المشافي”. ويلفت الحمادي إلى أن فكرة المشروع مستوحاة من العيادة الطبية المتنقلة في هانوفر في ألمانيا حيث قام مهندس وزوجته طبيبة أسنان بتقديم الخدمات الطبية للنازحين السوريين.

عرض الطبيب الحمادي المشروع على جمعية إعانة المرضى الدولية التي تبنت المشروع ودعمته، وتم تجهيز عيادتين إحداهما لمعالجة الأسنان وأمراض اللثة، والأخرى لمعالجة العيون، حيث تقدم العيادتان الخدمة الطبية المجانية في كل قرية لمدة يوم كامل.

العيادة المتنقلة ابتسامة من أجل سوريا تصوير رزان السيد

طبيب الأسنان محمد الكلزي (35 عاماً) مسؤول عن العيادة السنية يقول “يأتي مشروع عيادة الأسنان المتنقلة بسبب قلة الإهتمام بموضوع الأسنان ومعالجتها، وهذا العمل هو الأول على مستوى سوريا عامة وريف إدلب خاصة. والخدمات التي يقدمها مجانية، تشمل معظم قرى ريف إدلب”. ويشير الطبيب الكلزي إلى إحصائية الثلث الأول من عام 2015حيث قامت العيادة بزيارة 22 قرية، وتقديم العلاج لحوالي 659 مريضاً خلال  815 جلسة تتوزع بين الحالات الترميمية والقلع والمعالجات اللثوية. ويضيف الطبيب الكلزي “لقد بلغ إجمالي كلفة السيارة حوالي 15 ألف دولار وتحتاج العيادة إلى جهاز تحضير آلي من أجل سرعة العمل، فكثرة المرضى تجعل الحاجة ملحة إليه”.

يتحدث أخصائي أمراض العيون وجراحتها الطبيب منذر اليوسف (42 عاماً) عن تجربته في العيادة المتقلة ويقول “تجوب العيادة العينية القرى والبلدات في ريف إدلب وفق برنامج منظم. أقوم بمعالجة الحالات الإسعافية وحالات ضعف البصر، واصفاً العلاج المناسب، أما الحالات التي تحتاج إلى عمل جراحي فأحولها إلى إحدى المشافي العامة “. وقد خصص الطبيب اليوسف يوماً كل أسبوع لإجراء العمليات الجراحية في هذه المشافي.

ويضاف إلى هاتين العيادتين المتخصصتين العيادة المتنقلة العامة، المدعومة من الجمعية الطبية السورية الأميركية التي تم تجهيزها مؤخراً. المسؤول عن هذه العيادة الطبيب بشار الأحمد (31 عاماً) يقول “تضم هذه العيادة طبيب أمراض داخلية وطبيب أطفال وقابلة وممرض، وقد شكلت هذه العيادة في الآونة الأخيرة مقصدا للباحثين عن العلاج، وخصوصاً بالنسبة للكثيرين من النازحين والفقراء، الذين لايملكون المال الكافي للذهاب إلى طبيب أو مشفى خاص، ولاتتوافر في مناطقهم المشافي المجانية”.

والجدير بالذكربحسب الطبيب الأحمد أن العيادة العامة تضم صيدلية توزع الدواء المجاني على المرضى، في وقت ضيق النظام فيه الخناق على المناطق المحررة ومنع دخول الدواء. ويردف الطبيب الأحمد قائلا “لفئة الأكثر إصابة بالمرض في مناطقنا هي فئة الأطفال، وأكثر الحالات التي اعالجها الأنفلونزا والجفاف عند الأطفال، نتيجة التلوث في الهواء ومياه الشرب وسوء التغذية. كل ذلك يأتي نتيجة حتمية لغلاء المواد الغذائية وانتشار الفقر”.

القابلة القانونية أم هيثم (29 عاماً) تعمل في العيادة العامة تقول “تعد العيادات المتنقلة  حلّاً جيداً إثر تضرر وتوقف عمل الكثير من المنشآت الصحية بسبب العمليات العسكرية الدائرة “. أم هيثم تقوم بتقديم الرعاية الصحية للنساء الحوامل بالإضافة لخدمات تنظيم الأسرة.

وتجدر الإشارة إلى أن الطبيب في العيادات المتنقلة يتقاضى مبلغ ألف دولار أميركي، أما من هم برتبة ممرض او قابلة فيتقاضون مبلع 400 دولاار أميركي شهريا، أكان في العيادتين العينية أو السنية التي تمولها جمعية إعانة المرضى الدولية، وهي جمعية تركية مرخصة بإدارة سورية تأسست بتاريخ 20 آذار/مارس 2005، أو في العيادة العامة التي تمولها الجمعية الطبية السورية الأمريكية “سامس” وهي تأسست سنة 2011 في أمريكا بمبادرة من الاطباء السوريين في المغترب. أما الممرض والقابلة 400دولار شهريا، تأسست عام2011. تحياتي

سلمى طفلة رضيعة تبلغ من العمر ستة أشهر، مات والدها قبل أن تتذوق طعم الحياة، والدتها فاطمة (20 عاماً) تقول “كانت ابنتي تعاني من الإنفلونزا والتهاب البلعوم، عندما زارت العيادات المتنقلة قريتنا الدير الغربي، بدأ الناس يتوافدون إلى مكان توقفها، وكنت بينهم أحمل ابنتي المريضة. فحص طبيب الأطفال ابنتي وقدم لها الدواء المناسب من الصيدلية التابعة للعيادة”. عادت فاطمة إلى منزلها وهي تشعر بالتقدير والامتنان للكادر الطبي الذي يقدم العون والخدمة الطبية للشعب البائس الفقير.

أم أحمد إمرأة ستينية تعاني من ضعف في البصر، تحملت مصابها بسبب تدهور أوضاعها المادية،  وندرة الأطباء الأخصائيين في هذا المجال، تقول أم أحمد ” عندما زارت العيادة العينية قريتنا كفر سجنة، قام طبيب العيون بفحصي ووصف لي نظارة، شعرت بأن رؤيتي تحسنت كثيرا بعد استعمالها”.  

أبو وليد (41 عاماً) من قرية جرجناز يقول “يعاني ولدي من التهاب اللثة بسبب ضعف بناء أسنانه، اصطحبته إلى أحد أطباء الأسنان فطلب مبلغاً كبيراً لإصلاح أسنان ولدي، وأنا لا أملك ذلك المبلغ، ولكن العيادة السنية المتنقلة أصلحت أسنان ولدي مجاناً وبذلك تخلصت من العبء الكبير لعدم القدرة على دفع تكاليف العلاج”.  

عضو المكاتب الثورية في كفرنبل رائد الفارس (42 عاماً) يلفت من جهة ثانية إلى وجود “تحضيرات تجرى على قدم وساق لعيادة نسائية متنقلة  في ريف إدلب. هذه العيادة هي عبارة عن سيارة طبية مجهزة بأحدث المعدات الطبية، وتضم طبيبة وأربعة ممرضات وسائق. هدف هذه العيادة  الأساسي مساعدة المصابات والمريضات والأطفال في جميع أنحاء ريف إدلب. وخاصة القرى النائية التي لايتوفر فيها خدمات طبية”. ويوضح الفارس أنه سيكون لهذه العيادة برنامج عبارة عن زيارة كل يوم لقرية جديدة لاستقبال الحالات لمدة خمس ساعات، ثم تعود إلى مقرّها في كفرنبل، ويعاد هذا البرامج شهريا، وهو بدعم من المكاتب الثورية”.  

الطبيب أحمد دعدوش مدير المشفى الوطني في معرة النعمان يتحدث عن فكرة العيادات المتنقلة قائلا “يعاني معظم الناس في سوريا في هذه الأيام من التشرد والفقر والنقص في أبسط خدمات الحياة اليومية، كالماء والكهرباء والمسكن والغذاء والدواء، والأسوأ هو غياب الرعاية الطبية الأساسية لاستمرار الحياة “. ويؤكد الطبيب الدعدوش أن فكرة العيادات المتنقلة جاءت لتحافظ على صحة الناس وتخفف من آلامهم. ويضيف “من بيت إلى آخر وبين الأزقة الضيقة، تسير سيارات العيادات المتنقلة لتنشر الرعاية الصحية وتزور المصابين والمرضى، وتقدم يد العون لشعب طالته يد الظلم والفقر والمرض”.

ويختتم الطبيب الدعدوش كلامه بالقول “إن انتهاء ساعات الدوام هي التي تجعل الأطباء يعودون إلى بيوتهم وليس انتهاء العمل، فهناك آلاف الناس ينتظرون قدومهم بفارغ الصبر، لذلك نسعى إلى تطوير العمل لتشمل خدماتنا الطبية المناطق المحررة على نطاق أوسع وأشمل”.