عودة النازحين واللاجئين السوريين مشروع مؤجل
لم يعد وسام الأحمد (22عاماً) يرغب بالعودة إلى وطن يحكمه الرئيس بشار الأسد الذي دمّر مدينته معرة النعمان، حيث لم يعد هناك بيت وإلا سقطت فيه قذيفة أو صاروخ ولا شبر إلا فيه أثار للحرب. ويرى بأن تركيا حيث يعمل حاليا هي وطنه الجديد.
مع نهاية العام 2014، سيطرت المعارضة المسلحة على معسكري وادي الضيف والحامدية في ريف إدلب الجنوبي. المعسكران اللذان كانا يقصفان جميع القرى المحيطة بهما، وخصوصاً مدينة معرة النعمان وبلدة كفرومة، وتسببَّا في قتل مئات المدنيين وهدم مئات المنازل وتشريد آلاف عائلات المنطقة. بدأت مئات العوائل بالعودة إلى منازلها بعد ثلاث سنوات من الغياب، كان أغلبهم يقطن في مدارس حكومية في القرى المجاورة أو في مخيمات على الحدود التركية.
عاد محمد السلمو إلى بلدته الحامدية بعد تحريرها بساعات. تفقد منزله الذي تركه قبل 3 سنوات، وقد حوّله الجيش النظامي إلى دشم عسكرية لصد هجمات الثوار عليه. وقال السلمو “اليوم أستطيع التخلص من ذل الغربة والعودة إلى مزاولة عملي واستعادة أراضي الزيتون التي استولوا عليها وأحرقوا أغلبها، ولا يمكنني أن أصف سعادتي فلم نكن نحلم بالعودة إلى منازلنا”.
أبو خالد (34عاماً) صاحب أحد المطاعم الشعبية في مدينة معرة النعمان والتي تبيع الفلافل والفول. رغم كل المعارك رفض الخروج من مدينته التي نزح فيها أغلب سكانها. يقول أبو خالد: “البعض هاجر إلى أوروبا وبعضهم نزح إلى المخيمات وبعضهم هرب إلى القرى المجاورة، أنا بقيت هنا لأن جذوري وقلبي موجود هنا وأفضل الموت تحت الأنقاض وبين الركام على أن أُقاسي ذل المخيمات”.
ويضيف أبو خالد: “النظام عاملنا على مبدأ الغزاة والمحتلين، ونحن نقول له اقرأ كتب التاريخ بأن مدينتنا أحرقت 7 مرات ثم عادت من جديد وطردت المحتلين وهذا اليوم ما حصل مع قوات الرئيس بشار الأسد فلم تجنِ سوى القتل والدمار وخرجت مذلولة من هنا”.
لم يتمكن جميع الأهالي من العودة إلى منازلهم بسبب الألغام التي خلّفها الجيش خلفه والدمار بفعل القصف العنيف من قبل الطيران الحربي والمروحي التابع للنظام لتلك المناطق انتقاماً لخسارتها وسيطرة المعارضة عليها، حيث قصفت الطائرات الحربية مسجد الحامدية بعد تحريره أثناء صلاة الجمعة مما أدى لوقوع قتيل وعدد من الجرحى من المدنيين، وكذلك قيامها بحملة قصف منهجية على المناطق القريبة منهما.
لا يزال أبو محمد (كم يبلغ من العمر ما هي مهنته؟) لاجئا في بلدة حاس ويقول لداماسكوس بيريو: “من المبكر الحديث عن العودة إلى منازلنا في معرّة النعمان حيث أن الطائرات الحربية لن تترك هذه المناطق دون قصف، والجميع يعلم وحشية هذا النظام، لذلك يجب التريث إلى حين فتح معارك في جبهات أخرى لصرف أنظار النظام، والشيء الأخر أننا قمنا بأنشاء مصالح ومحلات تجارية في مناطق النزوح ولا يمكننا نقلها فوراً دون شعورنا بشيء من الأمان النسبي”.
بدأت الناس تعود تدريجيا إلى المناطق القريبة من معسكرات الحامدية ووادي الضيف بعد زوال الخطر الذي لم يسبب لهم سوى القتل والتشرد والدمار، وبدأت عمليات تنظيف الشوارع وترميم الأضرار من قبل المجلس المحلي في معرة النعمان، وعلى الرغم من ذلك هناك بعض الأهالي لا يرغبون بالعودة خوفاً من الانتقام.
وقد وجه المجلس المحلي في معرة النعمان نداء إلى الأهالي للعودة إلى منازلهم لإعادة الحياة إلى المدينة بحسب تعبيرهم، وقد بدأ بحملة لإزالة ركام الأبنية والمنازل التي تهدمت نتيجة القصف وكذلك تنظيف الطرقات في المدينة وإزالة السواتر العسكرية وفتح الأوتوستراد الدولي ، وإعادة تأهيل المناطق الحيوية مثل سوق الخضرة والأسواق الشعبية، وقامت الوحدات الهندسية في الفرقة الثالثة عشرة التابعة للجيش الحر بتفكيك الألغام الموجودة على مداخل المدينة.
رئيس المجلس المحلي في مدينة معرة النعمان محمد الشحنة (65 عاماً) أوضح أن الغاية من النداء هو دعوة الأهالي لتفقد منازلهم وتقييم حجم الأضرار، والبدء بفتح المحلات التجارية وإحياء الأسواق الشعبية التي تشتهر بها المدينة. وقال الشحنة “بدأنا بحملة تنظيف واسعة لجميع الطرقات وإزالة ركام المباني والسواتر، وقد شغلّنا جميع آليات المجلس من لإنحاز العمل في أسرع وقت ممكن، وسنواصل العمل حتى إعادة المدينة إلى أجمل مما كانت عليه من قبل”.
ويضيف الشحنة: “تمت استعارة آليات عديدة من مجالس القرى المجاورة من أجل تفعيل العمل بشكل سريع ولكن لم نلقَ الدعم المادي الذي يساعدنا على تطوير عملنا، فحجم التخريب في المدينة ضخم وهي بحاجة إلى وضع شبكة كهرباء جديدة بالإضافة إلى تنظيف مناطق واسعة من المدينة وإزالة ركام المباني المدمرة. هذا يتطلب مبالغ ضخمة وبدورنا نطالب الحكومة المؤقتة والائتلاف الوطني بتوسيع سبل الدعم من أجل إعادة أحياء هذه المدينة المنكوبة”.
ويعتقد كثيرون هنا أن تحرير تلك المعسكرات سيمكن حوالي ربع مليون سوري من العودة إلى منازلهم إن ارادو العودة، بعد تهجيرهم لأكثر من ثلاث سنوات، وأن سقوط النظام سيمكن حوالي 7 مليون سوري من العودة إلى ديارهم.