رحلتي إلى تركيا…
سيدة وزوجها في احدى وسائط النقل _ حي الشعار _ حسام كويفاتية
عدتُ من مرارة تجربة المخيَّم التركي داخل الحدود السورية، بعدما مكثتُ فيه أنتظر خروجَ أخي من المستشفى الحدودية…
كان أخي قد أُصيبَ، أثناء خوضه لإحدى المعارك مع الجيش الحر. وبعدما رجعنا إلى المنزل، وتأكّدنا أنَّه قد شُفِيَ تماماً. قرَّرَ بعد أسبوع، العودة مُجدداً للقتال على الجبهات… حاولت أمي وكعادتها، منعه من ذلك خوفاً عليه… لكنهُ كان مُصراً! وراحَ أخي للقتال…
لم يبقَ في المنزل سوى أنا وأخي الثاني وأمي… فأخواتي متزوجات، وأخي الكبير مع عائلته، ووالدي كانَ قد عادَ إلى السعودية، حيثُ يعمل هناك… قالت أمي أننا سنذهب، أنا وأخي وهي، إلى تركيا… وبغض النظر عن قبولي الفكرة أو معارضتها، لكن كنتُ مُجبَرة على الذهاب معهم! ولربما نجدُ هناك حياةً أفضل لنا، من تلكَ التي نعيشها في سوريا… بعد أن خلّفت غارات الطائرات الحربية دماراً هائلاً في المنازل وإصابات لا تُحصى في الأرواح.
في الصباح الباكر، جهَّزنا حقائب السفر وانطلقنا. وصلنا إلى معبر الحدود التركية، حيثُ كان علينا الدخول بطريقة غير شرعية، فلا أحد منا يمتلك جواز سفر… بقينا ثلاثة أيام نبحث عن منفَذ للدخول، بعدَ التشديد الكبير من الجمارك التركية… وبأي لحظة، كنا قد نُطرَد من الحدود.
قصدنا مُهرِّباً، وسألناه عن تكاليف العبور. كان جوابه بكل برودة، أنه يجب علينا دفع مبلغ 300 دولار، كي يُساعدنا بذلك. ولم يكن معنا من المبلغ سوى 50 دولاراً! إسودّت الدنيا في وجوهنا، ولا يوجد أمامنا سوى خيار العودة إلى سوريا.
أمي لم تستسلم، وظلّت مُصرّة على دخول تركيا… فنزعت من يدها إسوارتها الذهبية، وأعطتها للمهرِّب مقابل ذلك المبلغ… واجتزنا الحدود بمساعدة ذاك المهرِّب … كانَ ذلك بواسطة سيارة نقل صغيرة، تقل أكثر من ثلاث عائلات غيرنا، من أطفال ونساء ورجال…
بقينا أربع ساعات، حتى وصلنا إلى أرضٍ جبلية… الأرض الجبلية، علينا عبورها مشياً على الأقدام، فهي غير صالحة لعبور السيارات! صخورٌ كبيرة، أمامنا… بدأنا نتسلق قسماً منها، والقسم الآخر مستقيم، نعبر من خلاله. وكانت الجندرمة التركية حينها على مقربة كبيرة منا…
مشينا ما يُقارب الخمس ساعات تحت حر الشمس والعطش… لكن تخطينا تلك الأرض بسلام، حتى وصلنا إلى أرضٍ مليئة بالأشجار، كأنها غابة. كنا نعتقد أننا أصبحنا في منطقة الأمان! لكن فجأة! بدأ البوليس التركي بإطلاق النار علينا، من جميع الإتجاهات! حينها لم تعد قدماي تحملاني من شدة الخوف والتعب. والنساء بدأن بالصراخ، والأطفال يبكون من شدة الخوف وزخ الرصاص علينا… صرخَ أخي، قائلاً: “اختبئوا تحت هذه الشجرة بسرعة!”
قسم من العوائل استطاع الدخول إلى تركيا، رغم الرصاص… وقسم آخر بقي محتجزاً في تلك الغابة….
رصاصة طائشة كانت من نصيب أحد الشبّان الذين يريدون العبور… فاخترقت قلبه لتودي به فوراً إلى الموت… وبقى مستلقياً على الأرض، دون أن يتجرأ أحد على سحبه، خوفاً من أن يعاود البوليس التركي إطلاق النار…
بعد أن تأكدنا أن البوليس قد غادرَ… كنا ما نزال أنا وأمي وأخي نختبئ تحت الشجرة… فحضّرنا أنفسنا للمضي… قمنا أنا وأخي بمساعدة أمي كي تستطع المشي بسرعة، فهي إمرأة مسنّة وكانَ قد أعياها المشي… فأمسكنا بها، كل من جهة… وتخطّينا الغابة، إلى داخل الأراضي التركية…
وصلنا إلى إنطاكيا… لكن لا منزل يأوينا، ما الحل؟ لم يكن أمامنا سوى خيار الذهاب إلى أحد أقربائنا هناك، ريثما نجد منزلاً… قصدنا العائلة التي نُريد… رحّبوا بنا واستقبلونا أفضلَ استقبال. كانت تلك العائلة لا تمتلك سوى غرفتين، وعدد أفرادها، ثمانية أشخاص… فأعطونا غرفة وبقيت الأخرى لهم. ومكثنا عندهم ما يقارب الأسبوع.
وجدنا منزلاً لرجلٍ تركي، يسكنُ فيه لوحده. والمنزل مؤلَّف من غرفتين… فقدَّمَ لنا إحداها، وهي غرفة يضع فيها الأشياء التي لا تلزمه… قمنا بتنظيف الغرفة وتجهيزها، وسكنا فيها… بعدَ الشهر الأول بدأنا بدفع الإيجار، بعدما قرَّرنا أنا وأخي البحث عن عمل… وصرتُ أعمل في معمل لصناعة الكرتون.
وهكذا كانت رحلتي الشاقة إلى تركيا…
نور المصطفى (26 عاماً) من كرناز في ريف حماه. متزوجة ولديها طفل وهي ربَّة منزل. نزحت عدة مرات، لتستقر حالياً في إدلب.