رحلة العبور إلى تركيا
عائلة نازحة بسبب حملة القصف على حلب _ حي الفردوس _ حسام كويفاتية
"خمس سنوات مرّت، ولا زلت أذكر تفاصيل سفري كأنه البارحة. لم أزر سوريا منذ دخولي الحدود التركية ولا مرة واحدة بسبب ما عانيته. مجرد فكرة العودة مخيفة، تجعلني أتذكر تفاصيل كثيرة أريد نسيانها."
بعد ما عانيناه من رعب وتشرّد ونزوح، قررنا السفر إلى تركيا. تقرر موعد الرحلة في 13 آب/أغسطس 2012. الرحلة التي حاولت دوماً تأجيل التفكير بها. كنت آمل أن أبقى لفترة أطول داخل حدود الوطن، علّني أشبع من هوائه ورائحته.
بعدما نزحنا من منزلنا في سهل الغاب في ريف حماه، ها نحن نترك المنزل في معرة حرمه في ريف إدلب حيث كنا نقيم. كنا أنا وزوجي برفقة إبنتي وعدد من أقاربي. كانت الساعة قرابة السابعة صباحاً. أذكر ذلك الصباح جيداً، وكأنه البارحة. كان كأنه الصباح الأخير! نعم إنه الأخير، لم يكن حجم الألم فيه قابلاً للنسيان.
كان الخوف هو جواز سفرنا الوحيد.. والألم الذي ينهمر من عيوننا هو الإثبات الوحيد على أننا بشر! كنا ندرك تماماً أننا لسنا جزءاً من هذا العالم، وأن هذا ليس حالنا فقط، بل حال المئات والألوف من الخائفين. نظرت إلى السماء بعينين يملؤها الدمع، فإذ بي ألمح خوفي يحلق على إرتفاع شاهق. لا أدري أين سترمي حمولة موتها هذه المرة؟ وهل أنجو أم أكون رقماً من أرقام الموت.
ركبنا الباص الذي سيقلّنا إلى مدينة أطمة الحدودية، سار بنا بطريقٍ جبلي مخيف. كانت أمامنا دراجة نارية يقودها شاب، كان يرشدنا على الطرقات البعيدة عن أعين النظام. وكلما اجتزنا قريتين أو ثلاث يستلم المهمة شاب آخر. كنا نسير قليلاً ويطلب منا التوقف، كان الشاب الذي يدلنا على الطريق، يتواصل مع آخرين عبر الجوال، وكان يطلب منا الإنتظار ربع أو نصف ساعة، لأن هناك دورية للجيش أو تحرك، وأحياناً كنا نسير بطريق لأكثر من عشرين دقيقة، ويطلب من العودة أدراجنا، لأن الطريق لم تعد آمنة.
كان الطريق يستغرق عشر دقائق قبل الحرب، أصبح يستغرق ساعة ونصف الساعة بسبب الحواجز التابعة للنظام. وصلنا قرية الفريكة، التي كان يقيم فيها النظام حاجزاً، ويقوم بدوريات فيها كل ساعة. إضطررنا للمرور عبرها لأن هناك شاب ينتظرنا، يريد السفر معنا أيضاً.
توقف الباص الذي يقلّنا قريباً من الشارع العام في البلدة. نبّهنا الأهالي إلى أن الوقوف في هذا المكان خطر، كونه يطل على حاجز للجيش السوري النظامي، وربما يبدأ بإطلاق القذائف لو شاهد شيئاً مريباً. فدخلنا بين البيوت كي لا نلفت إنتباه أحد. تأخر الشاب بالقدوم قرابة عشر دقائق، ولكن بسبب الخوف من أن يرانا الجيش شعرنا بأنها بأنها عشر ساعات!
وأخيراً حضر الشاب، تنفسنا بعمق. سنخرج من هذا المكان المخيف قريباً. صعد الشاب وتابعنا طريقنا، بإتجاه أطمة التي لم إسمع بإسمها، ولم أعلم بوجودها إلا يوم سفري! كنت جالسة بالقرب من النافذة أتأمل الطريق.
كانت إبنتي قد غفت على يدي، تمنيت أن تنام أطول وقت ممكن، حتى لا تشعر بطول المسافة، كانت كل خمس دقائق تسألني: أمي متى سنصل؟ الغريب في الأمر أني ولأول مرة في حياتي لم أشعر بدوار السفر! كأن هذا الأمر دب الراحة في نفسي، ربما لأني كنت منشغلة بمن تركت من أهلي، وصديقاتي، وجيراني، وبيتي، الذي يمكن أني لن أعود للسكن فيه أبداً.
كانوا قد أخبروني أن تركيا، على مرمى حجر! كأنها رحلة من القرية إلى حماة. كان الكلام سهلاً للغاية، كم كان الأمر متعباً، نفسياً، وجسدياً، هل فعلاً كان الطريق على مرمى حجر وأنا شعرت بأنه طويل لعدم رغبتي بالسفر!؟ لا، أبداً. لقد إستغرقت رحلنا حتى الحدود التركيه قرابة 8 ساعات. لا أدري إن كانت هذه المده فعلا رمية حجر. أم ٱنني أحسست أني مسافرة لكوكب آخر بسبب طول المسافه.
وصلنا مدينة أطمه التي تقع على الحدود مع تركيا، قرابة الساعة الرابعة والنصف عصراً. كان الجو حاراً جداً. إنتظرنا في أطمة حتى حلول المساء. كي لا يرانا حدود الحرس التركي. وبعد ثلاث أو أربع ساعات تجهزنا للعبور إلى تركيا.
كان الوضع مخيفاً. قطعنا الحدود سيراً على الأقدام وبهدوء تام وبلا أضواء. حتى لا نُكشف. استغرق عبورنا ربع ساعةٍ تقريباً. كان خوفها يعادل خوف رحلةٍ إستمرت أكثر من ثمان ساعات. ولكن والحمدلله أنها مرت بسلام. دون أن يُطلق علينا الرصاص من قبل حرس الحدود التركي.
خمس سنوات مرّت، ولا زلت أذكر تفاصيل سفري كأنه البارحة. لم أزر سوريا منذ دخولي الحدود التركية ولا مرة واحدة بسبب ما عانيته. مجرد فكرة العودة مخيفة، تجعلني أتذكر تفاصيل كثيرة أريد نسيانها. وبعد كل هذه السنوات. بدأت شبه متأكدة أني وللأسف لن أعود لبلدي، وأني سأكمل حياتي بهوية لاجئة!
ريم سعيد (37 عاماً) ربة منزل وأم لطفلة واحدة، لاجئة في تركيا.