دار الرحمة يحتضن الأيتام الذين شردتهم الحرب
دار الرحمة للايتام في الدانا تصوير سونيا العلي
فقد حسام (10 أعوام) والديه ولكنه وجد في دار الرحمة حضناً يقيه مرارة الحياة، ويحول بينه وبين التشرّد والضياع.
يقول حسام: “كنت أعيش مع أبي وأمي، فقدت والدي في غارة حربية على المدينة عام 2018، وبعد فترة تزوجت أمي. شعرت أن الحياة توقفت بالنسبة لي، وبقيت أتنقل بين بيوت أقاربي، حتى نقلوني إلى دار الرحمة للأيتام حيث وجدت الرعاية والاهتمام، والحياة الممتعة المسلية والأنشطة المتنوعة”.
المدير المسؤول عن دار الأيتام ومدرسة الرحمة علي العتك يتحدث لحكايات سوريا ويقول: “مع تزايد أعداد الأيتام يوماً بعد يوم، قمنا بافتتاح دار الرحمة في مدينة الدانا لرعاية الأطفال الذين فقدوا أحد والديهما أو كلاهما”.
دار الرحمة في مدينة الدانا في ريف إدلب الشمالي يوفر الرعاية والخدمات المختلفة مجاناً. تقدم الدار المأوى والمأكل والملابس والرعاية الصحية والكشف الطبي الوقائي، إضافة إلى التعليم والتأهيل النفسي فضلاً عن النشاطات الترفيهية والمسابقات التحفيزية.
ويشير العتك إلى أن “الدار تستقبل أيضاً الأرامل مع أطفالهم الأيتام، وتؤمن لهن عملاً داخل الدار كمشرفات على الأطفال، كما يشاركن في أعمال الطهي والحياكة. وقد بلغ عددهن 28 أرملة، أما عدد الأطفال فقد وصل إلى 220 طفلاً، 86 منهم أيتام الأب والأم معاً”.
وبحسب العتك تلقت الدار سابقاً الدعم من منظمة أنصار الدولية، لكنه توقف منذ آذار/مارس 2019، مما ترك الأطفال أمام ظروف صعبة، وأدى إلى تراجع مستوى الخدمات المقدمة للأطفال.
ويقول العتك: “تم إنشاء مدرسة الرحمة داخل سور دار الأيتام، وتضم كادراً تعليمياً متخصصاً يتبع في مناهجه وخططه التعليمية لمديرية التربية، كما تضم روضة لتعليم الأطفال دون سن الخامسة”.
أم عماد (29 عاماً) من ريف حماة الشمالي تقيم في دار الرحمة مع أطفالها. وتقول: “بعد وفاة زوجي وجدت نفسي مع أطفالي بلا معيل، كما لم أستطع الحصول على فرصة عمل لإعالة أبنائي الثلاثة، لذلك قصدنا دار الرحمة حيث حصلت فيها على عمل كمشرفة على جميع الأطفال، كما يستفيد أولادي من الخدمات التعليمية والصحية والتوجيهية”.
أبو محمد (32 عاماً) وهو موظف في دار الرحمة يقول: “يعد افتتاح الدار خطوة في غاية الأهمية، حيث الكثير من الأطفال الأيتام يعانون من اضطرابات نفسية عميقة نتيجة الظروف الصعبة التي عاشوها بعيداً عن حنان أهلهم”.
ويضيف أبو محمد: “نحاول في الدار أن نخفف عنهم ولو بجزء بسيط مما فقدوه، ونوفر لهم المحيط الاجتماعي المناسب، كما وضعنا برامج مختلفة لتحديد أوقات النوم والاستيقاظ والرياضة والدراسة، أما في أيام العطل فنصحب الأطفال برحلات ترفيهية لإدخال البهجة والفرح إلى قلوبهم، ورسم البسمة على وجوههم البريئة”.
أيمن (11 عاماً) من الغوطة الشرقية، قصد الدار مع أخيه وعن ذلك يقول: “فقدنا أنا وأخي والدنا في الغوطة الشرقية بسبب المرض، وبعد ذلك تهجرنا إلى إدلب منذ سنتين، وقبل أن ننسى مصابنا فجعنا أيضاً بموت أمي إثر غارة حربية”.
بقي أيمن مع أخيه في عهدة عمهما. تركا المدرسة للعمل في بيع المناديل الورقية في الشوارع بهدف مساعدته على تأمين مصروف المنزل، قبل أن يضعهما في دار الأيتام ليسافر إلى تركيا بدافع العمل.
ويؤكد أيمن أن المشرفين في الدار يعاملونهما بكل ود، والأهم أنه تمكن مع أخيه من العودة إلى المدرسة التي حرما منها. آملاً أن يتمكن من تحقيق حلمه بأن يصبح مهندس اتصالات في المستقبل.
المرشدة الاجتماعية علا أبو زيد (30 عاماً) من مدينة الدانا تتحدث لحكايات سوريا تقول: “يمثل الوالدان بالنسبة للطفل حياته ونموذجه الأعلى، والمصدر الأول لإشباع حاجاته البيولوجية والنفسية والاجتماعية، وعن طريق الوالدين ينشأ الطفل ويترعرع، ويكتسب أنماط السلوك الاجتماعي، أما إذا غاب هذان الوالدان أو أحدهما عن حياة الطفل فإن ذلك سيؤدي بلا شك إلى تصدع في حياته ونموه النفسي والاجتماعي السوي”.
وتضيف أبو زيد: “مشاهد القتل والدمار تحولت في سوريا إلى مشهد روتيني، يخفي خلفه قصصاً مؤلمة لأيتام وأرامل، ورثوا أحزاناً مضاعفة لم تعد برودة العالم وتخاذله تستوعبها، حيث لا يحصل الأطفال السوريون الذين فقدوا أهلهم في الحرب على الرعاية المتكاملة، إنما يكون مصيرهم النزوح أو التشرد، يتركون المدرسة، معظمهم لا يحصل على القدر الكافي من الغذاء، مما يضع منظمات المجتمع المدني أمام مسؤوليتها في رعاية هؤلاء الأطفال، وتلبية احتياجاتهم وحمايتهم من الاستغلال في الشوارع، والضياع والانحراف”.
في ظل الاستجابة الطارئة لتزايد أعداد الأيتام في سوريا، وخاصة في المناطق التي تشهد حركة نزوح كبيرة بسبب القصف الذي خلف الكثير من القتلى والأيتام، أنشئت دار الرحمة للأيتام لمساعدة هذه الشريحة المستضعفة في تخطي المرحلة الصعبة من حياتهم، وحفظ كرامتهم، ومساندتهم ليتمكنوا من الاعتماد على أنفسهم في الحياة، ويشاركوا في بناء وطنهم الذي دمرته الحرب .