دار أم القرى للاستشفاء تزرع نور الأمل في قلوب المرضى
حين وصل محمد (35عاما) لأول مرة إلى مركز الاستشفاء في دار أم القرى، كان محمولاً يعجز عن الحركة. فهو مصاب بضعف عضلي حاد إضافة لإصابات عصبية، نتيجة تعرضه للتعذيب بالتيار الكهربائي في سجون النظام. وبعد مرور ستة أشهر على المعالجة الفيزيائية المستمرة استطاع محمد أن يمشي على قدميه ثانية. كما تمكن من قيادة سيارته من جديد.
دار أم القرى للاستشفاء والعلاج الفيزيائي يقع في بلدة جرجناز، التابعة لمحافظة إدلب شرقي مدينة معرة النعمان. تم افتتاح الدار في 15 تموز/يوليو 2013، يقدم الدار خدماته المجانية لجميع المرضى، من ثوار ومدنيين في الشمال السوري وجميع المناطق السورية. مدير مركز دار أم القرى الاستشفائي الطبيب عقبة الدغيم (39عاماً) يقول لـ “دماسكوس بيورو”: “يضم المركز العديد من الأقسام، ومنها العيادة الطبية التي تتعاون مع طبيب أطفال وطبيب أمراض نسائية. إضافة إلى قسم المعالجة الفيزيائية، ويضم المعالجين وكافة الأجهزة اللازمة للعلاج الفيزيائي. قسم الاستشفاء الجراحي والضمادات وهو خاص بالعمليات الجراحية والتضميد. أما القسم الرابع فهو لغسيل الكلى ويوجد فيه ثلاث أجهزة للغسيل الكلوي، حصل عليها المركز من الجمعية الطبية السورية الأميركية كما ويوجد فنيين متخصصين في هذا المجال”. ويشير الدغيم إلى أنه تم مؤخرا افتتاح العيادة النسائية التابعة للمركز، وفيها طبيبة أخصائية وقابلتين قانونيتين، وفي هذا القسم تتم عمليات الولادة الطبيعية على مدار الساعة. تم تجهيز المراكز بكافة وسائل السلامة وهو يتألف من عشرة غرف واسعة جدا، في كل غرفة 4 أسرّة.
المحاسب أبو سامر (42عاما) يقول: “أعمل في دار أم القرى، أقوم بدفع الرواتب للعاملين. حيث يصلنا الدعم والتمويل من منظمة سوريا للاغاثة والتنمية ومقرها تركيا “.
الممرض مازن الموسى (28عاماً) يتحدث عن عمله في المركز قائلا: “نحن في دار أم القرى 6 ممرضين وممرضات، أنا أعمل في قسم الاستقبال، حيث أستقبل المرضى وأسجل أسماءهم لإحالة كل مريض الى القسم المناسب لمرضه. ويستقبل المركز شهريا نحو 3600 مراجعة”.
عمر السماحي )38 عاماً) مسعف يتولى قيادة سيارة الإسعاف التابعة للدار، يؤكد أن أهمية الدار تأتي من كونها المركز الوحيد المجاني في الريف الشرقي لمعرة النعمان، بعد أن تحولت جميع المشافي الميدانية في المنطقة الى مشافي خاصة. ويلفت إلى أهمية وجود صيدلية تابعة للمركز توزع الدواء المجاني اللازم للمرضى، في وقت يعاني فيه الناس من انقطاع بعض الأدوية وغلاء اسعارها.
أبو عامر (45عاما) يعمل معالجاً فيزيائياً، وهو المسؤول عن قسم المعالجة الفيزيائية يقول: “يكتظ هذا القسم بالمرضى حيث يصلنا خلال الشهر حوالي 1500 حالة، معظم الإصابات ناتجة عن أعمال القصف الوحشية من قبل النظام”. ويوضح أبو عامر “أن التمرينات العلاجية أهم وسيلة من وسائل المعالجة الفيزيائية، فالمعالج الفيزيائي هو في الحقيقة مهندس تمرينات، وكل جلسة للمريض تتضمن نوعا من
هذه التمرينات”. وينوه بأن المركز يملك جميع الأجهزة المتطورة والحديثة لممارسة هذا العمل. ويشير أبو عامر إلى أن معظم الإصابات التي تتم معالجتها هي للثوار، والاطفال الذين لم تحترم الحرب الدائرة طفولتهم”.
سلمى طفلة عمرها ثلاث سنوات تعاني من قصر أوتار عضلية في الفخذ، نتيجة إصابتها بشظية قذيفة، يقول والد سلمى: “لقد خضعت سلمى لجلسات علاج فيزيائي لمدة أربعة أشهر، والتي أدت الى استعادتها القدرة على المشي والحركة والجلوس”.
أما بالنسبة لجلسات غسيل الكلى، فهي تتزايد شهرياً، حيث بلغت خلال أيار/مايو 2015، 85 جلسة لحالات مزمنة، و6 جلسات إسعافية حسب ما أفاد حمادي السلوم المتخصص في غسيل الكلى داخل الدار.
ملك (32 عاماً) تعمل كقابلة قانونية في العيادة النسائية تقول: “تم مؤخرا افتتاح هذا القسم الهام جداً، كونه الوحيد في المنطقة بسبب قلة عدد الطبيبات المتخصصات بالأمراض النسائية نتيجة نزوحهن، ونحن في هذا القسم نقوم بمراقبة الحوامل والتوليد الطبيعي، ومن المتوقع بعد افتتاح هذا القسم أن يرتفع عدد مراجعين إلى 10 آلاف مراجع ومراجعة.
أم محمد (46 عاماً) وهي من أهالي قرية جرجناز تقول: “نقلنا ابنتي مريم في حالة ولادة مولودها الأول إلى هذا المركز، وكنت جدا قلقة عليها ولكنني رأيت من عناية الكادر الموجود ما هدأ بالي وأراحني. حتى بعد ولادتها تم العناية بها وبوليدها ومراقبة صحتهما، كما وخضع حفيدي الصغير لفحص شامل من قبل طبيب الأطفال”. وتؤكد أم محمد أنهم خرجوا من الدار سعداء وشاكرين لكل من ساهم بافتتاح هذا المركز متمنين أن يأخذ الله بيدهم للاستمرار في مساعدة الناس وإغاثتهم”.
فريد (27 عاماً) أحد الثوار في لواء أحرار الشام، تعرض لإصابة خلال معركة تحرير وادي الضيف، أدت الى بتر طرفه الأيسرتحت الركبة ، أجرى لها علاج فيزيائي من أجل تقوية الجزء المتبقي من الطرف المبتور، لتهيئته لتركيب طرف اصطناعي، وحول هذا الموضوع يقول فريد: “بعد علاج دام خمسة أشهر في هذا المركز، وضعت القدم الاصطناعية وأنا الان أستطيع استخدامها في المشي والحركة”.
أبو القاسم (40 عاماً) هو مرشد نفسي تم توظيفه داخل الدار يتحدث بدوره عن نفسية المرضى الذين يدخلون الدارحيث يقول: “يدخل المرضى الى الدار وقد انهكتهم الحرب، وزرعت في قلوبهم الخوف واليأس وخاصة الأطفال، الذين يتعرضون للقصف دون أن يفكر أحد بهم وبنفسيتهم وبمستقبلهم”. يعمل أبو القاسم على معالجة الحالات النفسية الصعبة عبر الاستماع لهموم أصحابها والتهدئة من روعهم، ويقنعهم أن وضعهم ليس خطيرا، وستتم معالجتهم بعون من الله . ويحاول من خلال الكلمة الطيبة والابتسامة الحنونة أن يزرع الأمل في قلوبهم ريثما يتم شفاؤهم.
المدير المركز الطبيب عقبة الدغيم يختم كلامه قائلا: “المركز هو الاول من نوعه في سوريا الثورة، من حيث نوعية العمل الطبي والتجهيزات الحديثة وعدد الحالات الكبير التي نستقبلها يومياً مجانا ودون مقابل ونسأل الله سبحانه أن يوفقنا في عملنا الإنساني هذا، وأن يشفي مرضانا وأن يعجل لنا بنصره”.