حواجز عسكرية تمنع الحمل
تزوَّجتُ في الأول من أيار/مايو 2012 في مدينتي كفرنبل. ورغم الأحداث التي عرفتها البلاد، كانت الشهور الأولى من زواجي أسعد أيام حياتي. وكنت أنا وزوجي نخطط للأيام القادمة ونحلم بعدد الأطفال الذين سننجبهم وبأسمائهم. كانت أحلامنا جميلة، كم تمنينا أن تتحقق.
في العام 2015 وبعد مضي ثلاث سنوات على الزواج، لم نكن قد رزقنا بالأولاد بعد… فقررنا أنا وزوجي الذهاب إلى الطبيبة من أجل معرفة سبب تأخر الحمل.
وصفت لي الطبيبة الدواء، وطلبت مني الإنتظام بمواعيده. لكن دون جدوى… فبدأت حالتي النفسية تزداد تعباً. ما كان يزيدني إرهاقا وخوفاً، طائرات النظام التي ما لم تكن تترك السماء، حيث كانت مدينتي لها النصيب الأسبوعي من القصف.
كنتُ عندما أسمع صوت الطائرة، أظن أنها ستضرب منزلي، فأهرع إلى زاوية في غرفتي ظناً مني أنها ستحميني. وأمكث في الزاوية حتى تذهب الطائرة ولا أعود أسمع صوتها! بقيت على هذا الحال كثيراً.
في يوم، جاءت لزيارتي جارتي أم محمد، وأخبرتني أن إبنة عمها لم ترزق بالأولاد مثلي، وذهبت إلى طبيب في حماه وتعالجت لديه، وهي الآن حامل!
سعدت بالخبر كثيراً… وعند عودة زوجي إلى المنزل، أخبرته أننا سنذهب إلى ذلك الطبيب، فقال لي: “الطريق كله حواجز، الذهاب إلى حماه صعب جداً!”.
“يجب أن نحاول، لم يبق أمامنا سوى هذا الحل”، هذا كان رأيي وبقيت مصممة عليه، حتى وافق زوجي .
في 25 أيار/مايو 2015، انطلقنا في الصباح الباكر في حافلة تقل المسافرين من كفرنبل إلى حماه. كان قلبي ينبض بسرعة من شدة خوفي وقلقي على زوجي.
أكثر من ستة حواجز للنظام متفرقة على طول الطريق!
“ها هو الحاجز الأول”، نطق زوجي بهذه الكلمات وهو يشعر بالقلق.
الطريق مغلق ويمنع مرور السيارات قبل الساعة السابعة صباحاً. وعندما أصبحت الساعة السابعة، بدأت السيارات من أمامنا بالتحرك، حتى أتى دورنا للتفتيش على الحاجز.
صعدَ العسكري إلى الحافلة، وبدأ ينظر في وجوه الركاب، الواحد تلو الآخر. وأخذَ البطاقات الشخصية لكلٍّ منا.
كنت أكتم أنفاسي خوفاً على زوجي، أن يقول له: “أحمد إنزل من السيارة”.
ومَن ينزل، لا يعود!
أعاد العسكري البطاقات الشخصية للجميع، ثمَّ سرنا في طريقنا.
هكذا كان حالنا على كل حاجز، حتى وصلنا إلى مدينة حماه.
في حماه، قال لنا الطبيب الذي قصدناه، أنني بحاجة إلى عملية زرع طفل أنبوب. وأنَّ الحالة النفسية والخوف اللذان يقضّان مضجعي بسبب الحرب وقصف النظام، سبب من أسباب عدم حدوث الحمل.
لكنَّ المشكلة، أنَّ عملية الزرع تتطلب المجيء إلى حماه بشكل أسبوعي للمتابعة والأدوية!
ذلك مستحيل! وأي شخص معرَّض لأن يأخذه النظام ويعتقله دون سابق إنذار على الحواجز في الطريق بين كفرنبل وحماه. لقد تم اعتقال الكثير من شباب مدينتي… والتنقل بشكل متكرر، له مخاطر كبيرة على زوجي الذي سيرافقني دوماً. كما لم نكن نستطع الإنتقال للسكن نهائياً في حماه!
عدنا أنا وزوجي، نجر ذيول الخيبة إلى كفرنبل…
في طريق العودة، أوقف أحد الحواجز السيارة التي استقليناها، لنصف ساعة. وأخذ العسكري بطاقاتنا الشخصية دون أن نعرف ما هو المطلوب منا. ثمَّ أتى عسكري آخر وبدأ يدور حول السيارة، وطلب مني أن أفتح حقيبتي.
فتّشها، والقلق اعترى الركاّب… قطرات العرق تتصبب من جبهاتهم… فكل واحد منهم يقول في نفسه: ربما أكون أنا المطلوب!
بعد قليل ذهب السائق ليرى ماذا حلَّ بالبطاقات الشخصية. ثمَّ عادَ ووجهه يتصبب عرقاً، ونظر إلينا نظرة قلق وقال لإحدى الراكبات: “غادة… الضابط يطلب رؤيتك”
صُعِقَت غادة مما سمعته، وبدا عليها الخوف الشديد! فقال لها السائق: “لا تقلقي، سأذهب معك”.
ذهبا السائق وغادة، وبقينا ننتظر. فكانت كل دقيقة تمضي كأنها ساعات… وكل منا ينظر إلى باب غرفة الضابط، لعلَّ الخارج منهُ غادة!
فعلاً، بعد ربع ساعة أتى السائق ومعه غادة، وتنهَّد الجميع وكأن جبلاً كان على صدرنا. كان الضابط يريد أن يعرف معلومات عن إبن عم غادة! فأخذَ المعلومات منها بتحقيق امتدَّ لربع ساعة.
عادت بنا السيارة إلى كفرنبل، ونحن منهكون مما حدث معنا. وأنا في طريقي، سألتُ نفسي:
ماذا لو لم تعد غادة؟ ماذا لوكنت أنا مكانها؟ ماذا لو كنت في حينها حاملاً بطفل أو أصبحت ُ أماً؟ ماذا لو اعتقلوا زوجي، وكان لدينا طفل؟ سيعيش بدون أب؟ يا إلهي يكاد رأسي ينفجر من كثرة الأسئلة!
سأبقى أحلم بطفلي المنتظر آملةً من الله أن يمن علينا به… وسأتحدّى ظروف الحرب!
ناديا العبدالله من كفرنبل، متزوجة وتحمل شهادة معهد صحي… فقدت وظيفتها بسبب الأوضاع الأمنية في سوريا.