حملة للحد من الحرب الإعلامية والنفسية في سوريا

من حملة لا للإشاعات تصوير علا المحمد

من حملة لا للإشاعات تصوير علا المحمد

مريم الشاهين (35 عاما) من أهالي كفرنبل، تعيش حالة من التوتر رغم توقيع اتفاقية المناطق الآمنة بين المعارضة والنظام في ابريل 2017. ويعود شعور مريم بالخوف من إمكانية تجدد القصف نتيجة للإشاعات الكثيرة التي تصف الهدنة بأنها مجرد خدعة.
هذه الإشاعات التي يروج لها البعض دفعت المجالس المحلية بالتعاون مع مديرية الشرطة الحرة ومنظومة الدفاع المدني لإطلاق حملة تحت شعار “لا للإشاعات” وذلك عبر توزيع منشورات وملصقات، تحذر المواطنين من الانجرار وراء الإشاعات المغرضة التي تسبب لهم ضغوطاً نفسية واضطرابات دائمة.
مسؤول الإعلام لدى المجلس المحلي في مدينة كفرنبل عبد الرحمن البيوش (30عاماً) يقول لحكايات سوريا “أن الهدف من الحملة هو الحد من الأخبار والمعلومات التي لا أساس لها من الصحة”.
ويعطي البيوش مثالاً على ذلك فيقول “أي شخص عندما يسمع معلومة ما.. ليس متأكداً من مصداقيتها، فلا داعٍ لأن يقوم بنشرها داخل الوسط الإجتماعي المحيط به ، فليدعها تقف عنده كما جاء في المنشورات أنا سمعت، الناس تقول، فلان يتكلم. هذا الأمر كله لا أساس له من الصحة طالما أن الشخص ليس متأكد من مصدر المعلومة”.
ويلفت البيوش إلى أن الحملة شملت مناطق مختلفة من إدلب وريفها بغية توعية المواطن لمغبة الوقوع ضحية الأخبار المغرضة والتي لا تمت للواقع بأي صلة.
من جهته يوضح مسؤول الإعلام في مركز الشرطة الحرة في بلدة حاس حسان أبو علي (40عاما) لحكايات سوريا أنه وفي ظل تضارب الأنباء الواردة عن النظام وأهدافه المحتملة في المناطق المحررة برزت الحاجة للتصدي للإشاعات التي ينشرها النظام بين الناس في المناطق المحررة عبر طائراته ووسائل إعلامه.
ويؤكد أبو علي “أن التصدي للاشاعات يكون عبر الحملات التوعوية التي تقوم بها المؤسسات الخدمية في الداخل المحرر”. ويلفت إلى أن جهاز الشرطة الحرة في المنطقة يقوم بلصق الإعلانات في الأماكن العامة وتوزيعها على المارة.
ويقول أبو علي: “ردة فعل الناس تجاه الحملة كانت إيجابية، ولاقت تقبلاً كبيراً في الأوساط الشعبية كما ساهمت بقدر كبير في الحد من انتشار الإشاعات وتوعية الاهالي”.
لم تقتصر الإشاعات في إدلب وريفها على وسائل إعلام النظام. وإنما أيضاً راح البعض يصدر الإشاعات بهدف تشويه سمعة أعدائهم بغية الانتقام وتصفية حساباتهم الشخصية.
وتروي هيام العلوش (37عاما) ما حصل معها أثناء اقتتال هيئة تحرير الشام مع فصيل أحرار الشام في منطقة جبل الزاوية في تموز/يوليو 2017، عندما استغلت إحداهن الأمر لتنشر على مجموعات أخبار الثورة السورية على الواتس أب إشاعة مفادها أن ابن هيام البالغ من العمر (20عاماً) يعمل كمخبر لتنظيم هيئة تحرير الشام. ويقدم لها تقارير عن المعارضين للنصرة مقابل مبالغ مالية تدفعها له.
وتقول هيام غاضبة: “راح الخبر ينتشر بين الناس بسرعة بينما لا أساس له من الصحة. خفت كثيراً من أن يصدق فصيل الأحرار الذي كان يسيطر على المنطقة آنذاك الخبر فيقدمون على اعتقال ولدي الذي كان من الممكن أن يذهب ضحية لهذه الاشاعة المغرضة”.
ولتدارك الموضوع قامت هيام بالاتصال بمشرف المجموعة الذي تفهم الأمر، ونفى الخبر ثم قام بحذف رقم من قام بترويجه من المجموعة، منبهاً المشتركين من الترويج للاشاعات على المجموعة إن لم يكن هنالك مصادر موثوقة، يتأكد المشرف من صحتها ومصداقيتها بنفسه قبل نشر أي خبر.
هذه الحادثة لم تسمح هيام بمرورها بسهولة، فهي اليوم قدمت شكوى على مروجة المنشور لمحكمة كفرنبل بغية معاقبتها وإظهار براءة ولدها أمام الجميع.
إن كانت حادثة ابن هيام قد مرت بسلام فإن الإشاعة التي روج لها البعض ضد أيمن العبيدو(24عاما) لم تكن كذلك، مفاد الإشاعة أن أيمن يعمل ضد النصرة ويدبر لها المكائد. الأمر الذي دفع الأخيرة لمداهمة منزل أيمن مراراً، وهو اليوم اضطر لمغادرة البلاد الى تركيا خوفاً من الانتقام منه. ويؤكد أيمن أن الاشاعة التي روجها ضده البعض لا أساس لها من الصحة ويبرر هجرته بالقول: “ريثما يتم التأكد من أكاذيب الإشاعة وعدم مصداقيتها ربما تكون النصرة قد قضت علي، ولهذا غادرت البلاد فاراً بحياتي”.
حول مفهوم الإشاعات وخطرها على الفرد والمجتمع تتحدث المرشدة النفسية والاجتماعية فاتن السويد (39عاما) فتقول لحكايات سوريا: “للإشاعات آثارها السلبية سواءً على الفرد أم المجتمع، وسائر الأمة، فكم أشعلت من حروب، وكم أهلكت من قرى، وكم أبادت من جيوش”.
وتضيف السويد: “الإشاعات اليوم هي أكثر رواجاً وأبلغ تأثيراً من أي وقت مضى، وذلك بفضل التطور التقني في وسائل الاتصال. ومن هنا توجب محاربتها”.
وتشيد السويد بحملة لا لإشاعات التي تم اطلاقها في منطقة إدلب وريفها. وتطالب بتوسيع الحملة أكثر لتشمل كافة المناطق المحررة بغية توعية الناس لخطر الإشاعة التي “ربما يظن البعض أنها ليست ذات أهمية. غير أنها في الواقع تكون سبباً في نشر الاضطراب في المجتمع وبعث عدم الثقة في نفوس الأفراد.
وتتابع السويد قائلة: “وجب تبيان حقيقة الإشاعات مع كيفية محاربتها لحماية للمجتمع ككل تماماً كما تفعل حملة لا للاشاعات”. وتختتم السويد حديثها مستشهدة بآيات من القرآن الكريم أن” يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين”.
لم تعد الحرب في سوريا مقتصرة على السلاح فقط بل أصبحت الحرب النفسية لها أثرها الذي لا يقل عن تأثير السلاح فعالية. وهنا تكمن ضرورة مثل هذه الحملات التوعوية للحد من الحرب الإعلامية والإشاعات المغرضة ونتائجها.