حملة ضد ظاهرة اللثام في المناطق المحررة
"الحملة تهدف للقضاء على ظاهرة اللثام التي تساعد أصحابها على ارتكاب الجرائم والانتهاكات بكل سهولة، لأن اللثام يضمن للجاني عدم التعرف على شخصيته"."
أم وائل (40 عاماً) نجحت في إنقاذ أحد أولاد الحي أثناء محاولة ملثمين اختطافه من أمام منزله. صرخت أم وائل بأعلى صوتها حين رأتهم يحاولون خطفة، ففرّ الخاطفون.
انتشرت ظواهر السرقة والخطف والاغتيالات التي يرتكبها الملثمون في الشمال السوري المحرر مستغلين حالة الفوضى القائمة. هذا الواقع دفع مجموعة من الناشطين إلى إطلاق حملة ” اللثام ليس منا” بغية التنبه لخطورة الظاهرة والحد منها.
تروي أم وائل ما جرى معها في 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2017 قائلة “كان حسام عائداً من مدرسته، وكان وحيداً في الشارع، اقترب منه شخصان ملثمان يستقلان وحاولا اختطافه، وجره إلى سيارة شحن صغيرة (فان)، لولا أن أخذت بالصراخ عليهما ما دفعهما لترك الصبي والهرب”.
وتلفت أم وائل إلى أن حسام هو ابن تاجر معروف في معرة النعمان. وتعتقد أن سبب محاولة خطفه هو لطلب فدية من والده الثري. وتستطرد قائلة: “لقد فقدنا الأمان في حياتنا ومن كل الجوانب، وكأن القصف وظلم النظام وأعوانه لم يكن يكفينا لنتعرض للخطف والسرقات على يد هؤلاء الملثمين أيضاً”.
المنسّق العام للحملة ملهم سمير (36 عاماً) يقول لحكايات سوريا: “حملة اللثام ليس منا هي حملة انطلقت في كل من محافظتي حلب وإدلب وريفيهما، نتيجة وجود العديد من حالات الخطف والقتل والسرقة التي يمارسها أشخاص مجهولون ملثمون، مستغلين غياب أو ضعف العنصر الأمني في المناطق المحررة”.
ويشير سمير إلى “أن الحملة تهدف للقضاء على ظاهرة اللثام التي تساعد أصحابها على ارتكاب الجرائم والانتهاكات بكل سهولة، لأن اللثام يضمن للجاني عدم التعرف على شخصيته”.
ويوضح سمير أن هذه الحملة الميدانية ترافقها حملة على مواقع التواصل الاجتماعي باستخدام الملتيميديا ومخرجات الحملة الميدانية، وكذلك تم نشر بوسترات وملصقات في الأماكن العامة والمدارس والمشافي والمراكز التعليمية والمهنية.
يشارك في الحملة 27 ناشطا بينهم 9 ناشطات، جميعهم متطوعين وبدون أي أجور مادية، وهم موزعين ما بين تركيا وحلب وإدلب.
منسق الحملة في منطقة معرة النعمان عمر الإدلبي (31 عاماً) يشرح لحكايات سوريا فعاليات الحملة في منطقته قائلاً: “عرضنا لسلبيات اللثام من خلال العديد من الندوات الحوارية والجلسات المركزة التي استهدفت عدة شرائح من المجتمع، وقمنا بنشاطات لهذا الهدف ومنها عرض أفلام وتوزيع الملصقات فضلاً عن تغطية وترويج إعلامي للحملة”.
ويضيف الإدلبي “أن الهدف من الحملة هو محاربة ظاهرة اللثام التي عصفت بالمجتمع مع بدء تحول الثورة من السلمية إلى ثورة مسلحة فكان لا بد من طرح حلول توعوية لمكافحتها”.
وعن التفاعل الشعبي مع الحملة يقول الإدلبي بأنه “كان جيداً ولاقى ترحيباً من عدد كبير من الأهالي، وخاصة المتضررين من انتشار ظاهرة اللثام، فضلاً عن تفاعل العديد من صناع القرار في المنطقة”.
عضو المجلس المحلي في معرة النعمان محمد المحمود (35 عاماً) أثنى على الحملة ووصفها بالهامة معتبراً: “أنها تعمل على محاربة ظاهرة سيئة انتشرت بشكل كبير في الآونة الأخيرة، وانتشر معها الكثير من الجرائم ومنها السلب والنهب والاغتيالات”.
ويقول المحمود: “الملثمون أصبحوا في كل مكان وفي كل فصيل، وهو ما دفع ضعاف النفوس لاستخدام اللثام لارتكاب الأعمال الجرمية، ولذلك هو يخفي وجهه خوفاً من معرفته، ومن هنا فإن نزع اللثام ومعاقبة الملثمين هو مطلب شعبي. وبدورنا لن نتوانى عن تقديم أي دعم للحملة بغية القضاء على الظاهرة التي عنوانها الغدر والإجرام”.
ويذهب المحمود للقول: “إن اللثام ليس من عاداتنا ولا من تقاليدنا، ومن يظن بأن اللثام بطولة فهو مخطئ حتماً، لأن البطولة ليست ساحاتها بين المدنيين والنساء والأطفال وإنما في ساحات القتال”.
لا يزال الشاب حامد كركص (25 عاماً) يذكر حادثة سرقة سيارته من قبل الملثمين. ويروي كركص القصة لموقعنا قائلاً: “كنت في طريقي إلى سرمدا للحصول على بعض البضائع لمحلي التجاري حين استوقفني أحد الحواجز”.
يأخذ كركص نفساً ويتابع: “ظننت في البداية بأنهم يتبعون لفصائل الجيش الحر غير أن الذي حدث هو أنهم أمروني أن أترك السيارة وأمضي، وعند سؤالي عن السبب شهروا السلاح في وجهي قائلين: إن كنت لا تريد الموت امضِ في طريقك دون أسئلة. مضيت لأنني رأيت في أعينهم الغدر والإجرام، وعلمت بأنهم ما هم إلا قتلة ولصوص”.
الكركص هو من أشدّ المؤيدين للحملة، ويتمنى أن تتوسع ويكون لها تأثيرها الإيجابي على المجتمع بالقضاء على الظاهرة.
منسقة الحملة في منطقة اعزاز مها جمعة عفادلي (30 عاماً) تعمل في منطقتها مع 10 نشطاء بينهم امرأتين. أقامت عفادي وفريق عملها سلسلة ندوات حملت عنوان “اللثام وتأثيره في المجتمع”. هذه الندوات حضرها ناشطون مدنيون وإعلاميون وحقوقيون وتم الحديث من خلالها عن تاريخ ظهور اللثام منذ انطلاق الثورة والحراك السلمي ثم استمراره وبشكل سلبي.
وتقول عفادي: “التفاعل مع الحملة كان جيداً جداً باعتبارها سلطت الضوء على ظاهرة مؤذية، كما أن الحملة كانت ذات فكرة جديدة إذ لم يعمل عليها أحد في السابق”.
وتختتم عفادلي حديثها قائلة: “نسعى من خلال حملاتنا لنشر ثقافة المقاومة المدنية وتعزيز قيمها، بغية الوصول إلى مقاومة شعبية في سوريا قادرة على تحقيق أهداف الثورة السورية وتصحيح اعوجاجها بالأدوات والطرق السلمية”.