حريم المجاهدين وأطفالهن في خدمة الدولة
بينما كان المقاتلون يحتفلون بتحرير حي الحويقة، وفك الحصار عن مدينة دير الزور بعد طول جوع وحصار، كانت أسماء (23 عاماً) تعيش ليلتها الأولى مع عريسها التونسي المغوار، الذي أبلى بلاء حسنا في معارك تحرير الحي فكان لا بد من مكافأة مجزية، لم تكن إلّا أسماء.
عاشت مدينة دير الزور أياماً عصيبة منذ بدء الصراع المسلح ضد قوات النظام التي أرسلت الحملة تلو الأخرى لاستعادة الجزء الأكبر من المدينة التي سيطر عليها الثوار. في هذه الأثناء كان ريف دير الزور يخرج من قبضة النظام تباعاً، ويلمع في الأفق فصيل يضمّ مقاتلين أشداء، يتخذون السواد لباساً لهم ويغطون رؤوسهم وأوجههم، فلا يعرف عنهم شيء سوى انهم مجاهدي جبهة النصرة في بلاد الشام.
في الفترة الواقعة بين تموز/ يوليو 2012 وشباط/ فبراير 2013 ، تضاعفت أعداد مقاتلي النصرة. ازداد المهاجرون إليها من الخارج والمبايعون لها من السوريين. بلدة الشحيل في الريف الشرقي لدير الزور كانت المقر الأساسي لمقاتلي النصرة. ربط المقاتلين ببيئاتهم المحلية الجديدة، وإشباع حاجاتهم الطبيعية، وعقد صفقات سياسية كبيرة مع زعماء بعض العشائر الكبيرة، كانت أسبابا كافية ليحث التنظيم مهاجريه الجدد وخاصة الأمراء منهم على الزواج من فتيات ديريات (نسبة إلى دير الزور).
بهذه الطريقة الطبيعية بدأت ظاهرة زواج الفتيات من المجاهدين تستشري في ريف دير الزور، ومن ثم في المدينة التي تدفق اليها المجاهدون بكثرة بعد فك الحصار عنها ولو بشكل جزئي، ثم جاء دور تنظيم الدولة ليستولي على المدينة ويرث اسلافه من مقاتلي النصرة.”لم يجبرني أحد على الزواج، أردت أن أتزوج أحد المجاهدين في سبيل الله، خاصة بعد أن سمعت عن بطولاته وشجاعته، لطالما حلمت بفارس نبيل شجاع يدافع عن حقوق المستضعفين”. كان هذا دافع أسماء للزواج بأحد المجاهدين كما تقول.
غير أن حالة أسماء هي حالة نادرة لجهة وجود رغبة حقيقية في الزواج من أحد المجاهدين. ففي مجتمع يشكل تعداد النساء فيه نسبة 50% تقريباً، ويتراجع فيه تعداد الذكور بسبب القتال المستمر الذي حصد الالاف من أبناء المحافظة بين قتيل وجريح، فإن الزواج من المقاتلين الأجانب يبدو حلاً مناسباً لكثير من الفتيات اللاتي يحلمن ببيت وأسرة.
أبو الطيب (64 عاماً) والد إحدى الفتيات اللواتي تزوجن مقاتلين من تنظيم الدولة الإسلامية، يقول: “نحن لا نحب تزويج بناتنا للغرباء، ولكن الوضع المادي المزري الذي نعيش فيه والستر على البنت في بيت زوجها، وأغلب المجاهدين ميسوري الحال، هذه الأسباب تجعلنا نوافق على تزويجهن”.
أسباب أخرى عديدة تدفع الفتيات إلى أحضان الغرباء، أهمها حالة الرعب التي فرضتها الدولة الإسلامية، خصوصاً في مناطق سيطرتها. كثير من الأهالي يخافون عواقب رفض تزويج الفتيات لمقاتلي التنظيم، مع رواج قصص انتقام التنظيم ممن يرفضون تزويج بناتهم لمقاتلي التنظيم. ويستخدم مقاتلو التنظيم أحياناً سلطاتهم لإجبار البنات على الزواج بهم بطريقة أو بأخرى، ومنها اعتقال إخوة الفتاة لأسباب واهية، أو اعتقال الفتاة نفسها بعدة ذرائع، أهمها عدم ارتداء اللباس الشرعي.
كانت فاطمة (29 عاماً) تقيم في قرية حطلة، تقول “كنت أعيش في مناطق خاضعة لداعش منذ عامين تقريباً، وحتى هذه اللحظة لا أعرف ما هو اللباس الشرعي الذي يطالب به عناصر الحسبة”. وتضيف فاطمة “أوقفني المدعو سنان التونسي أمير الحسبة، بحجة أن لباسي غير شرعي وأني لا أرتدي كفوفا سوداء لتغطية يدي. فقلت له تغطية الكف ليس واجباً في الإسلام والصورة التي ظهرت لكتيبة الخنساء التابعة للدولة، تظهر نساء أيديهن مكشوفة”. بقيت فاطمة في الحسبة لبضعة ساعات قبل أن يؤتى بشقيقها ويتعرض للجلد. تتابع فاطمة “قبل أن أخرج من الحسبة قال لي المدعو سنان:عليكِ أن تجدي رجلاً يستر عليك يا أختاه، وهناك الكثير من عناصرنا يرغبون الزواج ببنت من الشام، قلت له سأفكر في الموضوع “. اضطرت فاطمة لمغادرة دير الزور برفقة عائلتها بعد هذه الحادثة والانتقال للسكن في دمشق.
الظاهرة الأخطر في هذا الموضوع هي ظاهرة زواج القاصرات، حيث يفضل مقاتلو التنظيم حسب ما يقولون الزواج بفتيات صغيرات لأسباب عديدة، أهمها أن يعيد المقاتل تهيئتها من الناحية الشرعية بسهولة، لأنها مازالت طفلة وتتقبل الأفكار الجديدة.
تبدو أخصائية الإرشاد النفسي السيدة رويدة شديدة القلق من ظاهرة زواج القاصرات وتقول “ما يؤرقنا في المرحلة الحالية أن أغلب هؤلاء الفتيات يتحولن إلى مؤمنات بأفكار التنظيم المتطرف، وربما يهاجرن مع أزواجهن إلى مناطق أخرى من مناطق سيطرة التنظيم. والطامة الكبرى هي حين تفقد إحدى تلك القاصرات زوجها، الذي يموت أو يهجرها، فتصبح عرضة إمّا للوراثة من قبل مقاتل آخر في التنظيم أو عرضة للانحراف، بعد أن تصبح أرملة أو مطلقة في سن حرجة، تبلغ فيها المرأة أقصى حاجات الرغبة الجنسية”.
وكان الخليفة البغدادي قد أصدر أمرا بمنع أرامل المجاهدين وأولادهم من مغادرة أراضي دولة الخلافة. وتلعب كتيبة الخنساء التي تشكلت في الرقة بقيادة أم ريان التونسية، دورا مهما في خطبة الفتيات للمجاهدين سواء الأبكار منهن أو الأرامل، وتشكيلات أخرى مماثلة للخنساء موجودة في مناطق سيطرة التنظيم وان كانت بمسميات أخرى. لم يكتب لهذه الزيجات غالبا الاستمرار إما بسبب مزاجية مقاتلي التنظيم الذين يهجرون زوجاتهم في بعض الأحيان. أو بسبب مقتل الأزواج في الحروب الكثيرة التي يخوضها مقاتلو التنظيم الذي يعتمد أساسا في حروبه على خزانه البشري الكبير واستعداد مقاتليه لتلقي فكرة الموت برحابة صدر.
ويسمح الشرع الإسلامي بالجمع بين أربعة نساء في آن واحد، لهذا كانت حالات الطلاق قليلة، ومنها ما يرويه بعض أبناء مدينة دير الزور، حين أقدم أحد شرعيي جبهة النصرة المدعو أبو البراء التونسي على تطليق زوجته بعد أيام من زواجه بها، وتزويجها لأحد العاملين في الهيئة الشرعية دون أن يبين أسباب طلاقه للفتاة البالغة من العمر 14 عاماً.
أسماء التي كانت سعيدة بزواجها من الفارس النبيل تقول اليوم “اكتشفت بعد أيام على الزواج أني أعيش مع رجل مجهول يرفض الإعلان عن اسمه الحقيقي، ولا أعرف عنه إلّا لقبا يعرفه به كل الناس”. حصلت أسماء على الطلاق من زوجها الذي قتل فيما بعد في المعارك التي خاضتها النصرة ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
الفقر والجهل والخوف والعار كلها أسباب تجعل أهالي الفتيات يقدمون على تزويج بناتهم لهؤلاء الغرباء. والظاهرة في استشراء متزايد ومؤشرات خطيرة بدأت تلوح في الأفق. وقد سجل أخيراً محاولتي انتحار لامرأتين في قرية حطلة الشهر الماضي لأسباب تتصل بالزواج من مقلتلين أجانب. ويضاف إلى هذه المشكلة قضية الأطفال غير المسجلين بوثائق رسمية، حيث لا يعرف لهم أبا تتلقفهم أيدي أمير المتنظيم بالرعاية ليصبحوا جزءا هاما من مشروع أشبال الخلافة.