جمعية تعنى بالمكفوفين في المناطق المحررة
يتدريون على استخدام الهاتف الجوال في حياتهم اليومية تصوير هاديا منصور
"جمعية أيادي مبصرة هي الجمعية الأولى من نوعها في المناطق المحررة. ارتأت مساعدة فئة المكفوفين عموماً، والنهوض بهم نفسياً وتعليمياً وثقافياً وتنموياً وتقنياً وطبياً"
عمران (12 عاماً) فقد بصره لكنه لم يفقد عزيمته ولا إصراره على متابعة دراسته وتحقيق حلمه بأن يصبح مهندساً. ويقول عمران: “صحيح أنني فقدت بصري، ولكنني لم أفقد عزيمتي، سأتعلم بمراكز جمعية أيادي مبصرة وأحقق ما أصبو إليه”.
جمعية أيادي مبصرة هي الجمعية الأولى من نوعها في المناطق المحررة. ارتأت مساعدة فئة المكفوفين عموماً، والنهوض بهم نفسياً وتعليمياً وثقافياً وتنموياً وتقنياً وطبياً، ليكونوا فعالين في المجتمع، لهم دورهم كسائر الناس، ويثبتون ذاتهم عن طريق الدمج الاجتماعي.
مدير الجمعية الدكتور عبد المعين ياسين (28 عاماً) يقول: “نظراً للظروف النفسية والحالات المعيشية السيئة التي يعاني منها المكفوفون، ونتيجة احتياجاتهم المادية والمعنوية والصحية، وجراء عدم تقبل المجتمع لهم، والاستخفاف بقدراتهم، قررنا إنشاء هذه الجمعية”.
الاجتماع التأسيسي للجمعية الذي عقد في مدينة الأبزيمو في ريف حلب الغربي بتاريخ 15 أيلول/سبتمبر 2017، ناقش الظروف المعيشية والصحية والإنسانية التي تعيشها هذه الشريحة، وسبل تكوين بنية مجتمعية ثقافية وفكرية تنتقل بالمكفوفين من الحالة العشوائية إلى التنظيم في مجالات الحياة كافة.
يشمل نشاط الجمعية معظم المناطق السورية المحررة من ريف حلب الغربي، إلى إدلب وريفها، ريف حماه الشمالي، ريف اللاذقية، إضافة إلى الغوطتين ودرعا.
الدكتور عبد المعين الياسين يحمل لقب الشهيد الحي. مع بداية الثورة السورية حين انطلق مع المتظاهرين السوريين للمطالبة بالحرية والكرامة، وكان ذلك خلال دراسته للسنة الرابعة في جامعة حلب، قسم علم الآثار. تعرض للاعتقال، وواجه كل أشكال التعذيب.
انضم الدكتور الياسين إلى صفوف المقاتلين الأحرار، وشارك بالقتال في العديد من المناطق وتعرض لعدة إصابات تسببت آخرها بفقدانه لبصره.
لم ييأس الياسين، ويقول: “إنني وإن قبلت نظرة المجتمع إلي كمكفوف، فأنا لم أتقبل أن أبقى منزوياً على نفسي، فبدأت حياتي العملية بإكمال دراستي الجامعية في تركيا، وسرعان ما حصلت على إجازة في علم الآثار تلاها حصولي على الماجستير فالدكتوراه”.
يشغل الدكتور الياسين منصب مستشار في مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية، وهو عضو مؤسس لرابطة أدباء الثورة السورية واتحاد رواد حلب. كما أنه يعد أحد أهم مؤسسي جمعية أيادي مبصرة .
فئات المكفوفين المستهدفة من قبل الجمعية هي عبارة عن ثلاث فئات. فئة تشمل الكفيف بشكل كامل. وفئة تشمل المكفوفين أصحاب اللطخة الصفراء أو العشي الليلي أو الجلطة المشيمية أو الساد الولادي أو داء السكري، والفئة الثالثة وتشمل الأمراض العينية ومنها التهاب القرنية الحاد، الضمور العيني، الاعتلال العصبي، الماء البيضاء أو الزرقاء.
ويلفت الياسين إلى “أن لإحصائيات بينت وجود 164 حالة في محافظة حلب، وفي محافظة إدلب 215 حالة، أما أرياف حماه واللاذقية والغوطة ودرعا فالعمل مستمر لإحصائها”.
مهندس المعلوماتية ومدير المكتب التقني في الجمعية أحمد طلحة (25 عاماً)، وهو كفيف أيضاً، يشرح عن أحد مشاريع الجمعية ويقول: “نقوم بتدريب المكفوفين على استخدام الهاتف على نظام أندرويد، وبرامج التواصل الاجتماعي والتصوير وتمييز الألوان والاعتماد الذاتي للمكفوف في أي عمل يقوم به من خلال جواله. ولدى الجمعية عدد من المدربين المتخصصين في هذا المجال من الداخل السوري ولبنان ومصر والعراق والسعودية”.
ويضيف طلحة: “تضم الجمعية مراكز مجهّزة بالكمبيوترات والانترنت للتعلم على تقنية ويندوز بكافة أنظمته الحديثة، إضافة إلى تعليم المكفوفين على نظام ميكروسوفت أوفيس واستخدام الإنترنت بالتحميل والتنزيل وإنشاء قنوات وبرامج التواصل الاجتماعي كالفيس بوك والسكايب وغيرها من البرامج “.
نائب مدير الجمعية مدير محمد شلار (33 عاماً) يتولّى إدارة المكتب الطبي الذي أنشأته الجمعية. ويقول شلار: “تعاقدنا مع أطباء بمختلف الاختصاصات بهدف مساعدة المكفوفين طبيا. ومن تلك الاختصاصات أمراض الأطفال، جلدية، بولية، داخلية، عصبية، أنف وإذن وحنجرة”.
ويضيف شلار: “كما نوفر خدمة المختبرات والتحاليل الكيميائية ومختبرات التصوير والتخطيط والرنين المغناطيسي والطبقي المحوري والايكو دوبلر”.
ويشير شلار إلى سعي الجمعية لتأمين الاحتياجات الدوائية النادرة والملحة، والتواصل مع المكاتب الطبية ضمن الأراضي التركية ومتابعة بعض الحالات. ويتم ذلك من خلال منح المرضى بطاقات مكفوفين باسم جمعية أيادي مبصرة.
جمعية أيادي مبصرة خصصت مكتباً للعناية بالمرأة والاهتمام بشؤونها. احدى ممثلات هذا المكتب وتدعى ناهد عيد (34 عاماً) من قرية كفرلاتة في ريف إدلب، فقدت بصرها منذ كانت رضيعة بسبب إصابتها بالحمى.
ناهد لم يكن باستطاعتها الالتحاق بمدرسة الصم والبكم البعيدة عن قريتها. فقصدت حلقات تعليم القرآن الكريم. تقول ناهد “كنت أحفظ القرآن بواسطة الموبايل، وحضرت العديد من جلسات الدعم النفسي وتدريبات إدارة الذات التي رعتها بعض المنظمات”.
وتؤكد ناهد عيد بأنها استطاعت تنمية مهاراتها الشخصية وإدارة وقتها من خلال ما اكتسبته في تلك الدورات. وهي اليوم إحدى أعضاء جمعية أيادي مبصرة وتعمل على مساعدة فاقدات البصر وعن عملها تقول: “سآخذ بأيديهن ليكتسبن الثقة بالنفس، وليعلمن بأنهن عظيمات ومبدعات ولديهن الكثير من المواهب والقدرات التي لم تقف الإعاقة ونظرة المجتمع في طريق اظهارها وتنميتها”.
ويختم مدير الجمعية الدكتور عبد المعين الياسين بالقول: “سنستمر بإذن الله كفريق عمل متكامل في رسم الخطط، وإنجاز المشاريع وانجاحها للوصول للهدف المطلوب. ونناشد المجتمع الواعي والمنظمات المحلية والعالمية تقديم الدعم لنا بغية النهوض بهذه الشريحة والاستمرار بتحقيق مطالبها وحقوقها التي لطالما حرمت منها “.