جلسة التحقيق
40. اسر حصلت على بعض المعونة والمساعدات بعد ان نزحت حديثا واستقرت في احدى مخيمات ريف حماه علها تساعدهم على المعيشة
"كانت جارتي تطمئنني وأنا أودعها قبل ذهابي للتحقيق، أن أطفالي سيكونون بخير... وفي حال ولسبب ما لم أعد... ستهتم بالمنزل والأطفال وترسلهم إلى مدرستهم كما وعدتني كل يوم... "
المكان كان مظلماً… لا لا… ربما لم يكن بذاك السواد، لكنه خوفي وظلام قلبي ورجفان عقلي…
أحدهم يملي علي السؤال تلو الآخر. بينما الثاني يكتب على حاسوب ما… عيناي كانتا ذابلتين… لم تلاحظا أي شيء… أي لون… وحدها رائحة الدخان كانت تؤلم أنفي… وتحرق عيوني…
الطاولة كانت تحمل الكثيرمن الأوراق… لم أجرؤ على النظر إليها… تراءى لي للحظة أني قرأت اسم زوجي واسم عائلتي.
عقلي هو الوحيد الذي كان يعمل بكامل طاقته… أفكر بزوجي الذي اعتقل قبل أيام… أفكر أن اسألهم عنه… لكن عقلي ينبهني لا تفعلي الآن…
يأتيني سؤال مباغت: “هل تعرفين …؟” يقول إسمها وهو يمعن النظر في وجهي؟
“لا أعرفها…” بخوف مباغت وبفعل نظراته… “بلى أعرفها..” أجيب متداركة.
“مانوع العلاقة التي تربطكما؟” أشرد قليلاً في السؤال. وكيف لعلاقة صديقة العمر أن تكون…
تباغتني مجدداً اللحظة التي أخذوا بها زوجي في سيارة خاصة واختفى… لكني جئت هنا بملء إرادتي، بعد أن أرسلوا لي استدعاء للحضور…
أجيب: “نحن نعمل سوياً ضمن جمعيات خيرية…”
“ما هي هذه الجمعيات؟” يسأل مجدداً.
كانت جارتي تطمئنني وأنا أودعها قبل ذهابي للتحقيق، أن أطفالي سيكونون بخير… وفي حال ولسبب ما لم أعد… ستهتم بالمنزل والأطفال وترسلهم إلى مدرستهم كما وعدتني كل يوم…
وأذكر أنني طلبت منها إطعام طائري الصغير… ولوهلة شعرت بالخوف… كيف لم أطلب منها أن تصطحبه معها إلى منزلها حتى لا تخيفه الوحدة…
بدأت اسماء المواقع والجمعيات تتجمع في رأسي وأسارع بإخبارهم… والرد على اسئلتهم. وانتقلوا إلى صديقة أخرى ورقم آخر…
لا تعجبهم إجاباتي… يغضب المحقق ويهددني إن لم أخبره الحقيقة سيرتب لي ملف دعارة.
لم أكترث لتهديده، بقدر ما كانت تؤلمني فكرة أن زوجي الآن مرمي في زنزانة مغلقة، وربما مع العشرات مثله. وصرت أفكر أيهما الأفضل له السجن الإنفرادي أم مع غيره.
تكاثرت أسئلتهم وتسارعت أجوبتي… كمن يلاحق الوقت بلسانه… وعمّ الصمت… وانتظرت بحدقة عيني التي ترتجف أن يدخل أحدهم الباب، يمسك ساعدي بقسوة، ويجرني جراً إلى قبوهم العفن…
الفكرة فاضت من عيني دموعاً… أطفالي… عملي… زوجي… أشعر بالذنب والخيانة الكبرى… أن أتكور في مكان مظلم واتركهم يعانون لوعة غيابي…
لحظات يناول من كان وراء حاسوبه ورقة ويؤكد على ما فيها لمتابعة التحقيق في تاريخ محدد… يتلو علي ما تيسر له من اللاءات والإملاءات… لا تذهبي… لا تسافري… لا تغادري سكنك دون علمنا… وابتعد مع الصوت الذي علق كقذارة نتنة في أذني…
في الطريق اضغط على أذني للتخلص من ضجيج صوته… يؤلمني أنفي من أوكسجين الشارع… فاضت عيناي مجدداً، وصرخت: انتظروني أحبائي… وتركت العنان لساقيّ للعودة… فلا هاتف لدي لأطمئنهم ولا نقود…
كنت على بعد عدة شوارع فقط من عناق أطفالي وطائري…
سمر ادريس (35 عاماً) من قرى حمص أم لطفلة خريجة حقوق من جامعة دمشق عملت محامية وحالياَ مقيمة في فرنسا عملت قبل خروجي من سوريا ضمن فريق تطوعي للدعم النفسي للمعتقلات اللواتي تم الإفراج عنهن.