بنفسج تلوّن المشاريع الإغاثية في الشمال السوري
لأول مرة تشعر حسناء (25 عاماً) بالأمان، خلال ذهابها مع أطفالها إلى دورات المياه ليلاً في المخيم. ويعود الفضل إلى منظمة بنفسج التي قامت بتركيب أعمدة الإنارة على الطاقة الشمسية في خمس مخيمات في ريف إدلب الشمالي، ضمن مشروع تم إنجازه في 27 نيسان/ أبريل 2016، وشمل الطرق الرئيسية والمرافق الخدمية داخل هذه المخيمات.
حسناء النازحة من ريف حماه الشمالي، تقيم في مخيم صامدون. هي واحدة من آلاف النازحين والمحتاجين والفقراء المستفيدين من مشاريع وخدمات منظمة بنفسج التي تأسست عقب انطلاق الثورة السورية عام 2011 في إدلب المدينة، قبل أن تنتقل إلى أريافها المحررة بعد إحكام النظام السوري سيطرته عليها.
تقول حسناء “لطالما كانت بنفسج بمثابة الأم الحانية للمخيم منذ إنشائه. توفر ما يحتاجه من مواد غذائية وأغطية وألبسة وأدوات مطبخية، لم تكتف بذلك بل قامت مؤخرا بإنارة المخيم”. وتلفت إلى أهمية هذا المشروع وفوائده الكبيرة لجهة منع الحوادث التي يتعرض لها النازحون في هذه المخيمات وخاصة النساء والأطفال، وتحديداً أثناء توجههم إلى دورات المياه وخارج خيامهم في الليل، إضافة إلى إنارة الأسوار لمنع السرقات أو دخول الحيوانات.
وعن هذا المشروع وغيره يتحدث مدير مكتب منظمة بنفسج عمرو تريسي (38 عاماً) فيقول “عملت بنفسج على تنفيذ هذا المشروع بالشراكة مع منظمة تركية تسمى “ديبر سولار” . استغرق العمل بالمشروع عدة أشهر وتوجت بتركيب 85 عامود إنارة متكاملة أوتوماتيكية، لإنارة خمس مخيمات وهي: عائدون، صامدون، قادمون، الأمة والصدقة. جميع هذه المخيمات متواجدة في بلدة سرمدا التابعة لريف إدلب الشمالي بالقرب من معبر باب الهوا الحدودي مع تركيا”.
وقبل الخوض في تفاصيل مشاريع بنفسج المختلفة يتطرق تريسي للحديث عن قطاعات المنظمة وهي قطاع إدارة وتنسيق المخيمات، القطاع الغذائي وسبل المعيشة، القطاع الغير غذائي والمأوى، القطاع الطبي، القطاع التعليمي ومؤخرا قطاع المياه والاصحاح.
كل قطاع من هذه القطاعات تسميه المنظمة “برنامج”، فمثلا لبرنامج الغذاء وسبل المعيشة مدير، وهو قطاع منفصل ن غيره ولديه كادره الخاص به. يعتبر هذا القطاع من أكبر القطاعات في المنظمة من حيث تغطية حاجات النازحين والفقراء، ويوزع شهريا أكثر من 40 ألف سلّة غذائية في مدينة إدلب وريفها، وصولا إلى جسر الشغور. وذلك بالتعاون والتنسيق مع المنظمات والمجالس المحلية للوصول إلى كافة المتضررين وتلبية كافة الاحتياجات، منعا للتكرار في التوزيع وهدر المساعدات.
الحاجة رقية (50 عاماً) من مدينة جسر الشغور، فقدت زوجها وثلاثة من أبنائها خلال الثورة. لديها عدد كبير من الأولاد والأحفاد الذين لامعيل لهم. تحصل على معونة شهرية من بنفسج تتضمن عدة سلات غذائية لها ولعائلتها. تقول الحاجة رقية “صحيح أن السلّة الغذائية لم تعد تكفي في هذه الأيام الصعبة، ولكنها جد مهمة، وتساندنا كثيراً في إطعام أولادنا وسط هذا الغلاء الفاحش”. ولا تنسى الحاجة أن تشكر بنفسج وتتمنى لها الدوام والاستمرارية في عطاءاتها فهي بصيص أمل للكثيرين.
أبو عبدو (38 عاماً) وهو أحد أعضاء المجلس المحلي في مدينة أريحا فيقول “ثمة تعاون بين المجلس والمنظمة لمعرفة من هم الأكثر حاجة في المنطقة، إذ تحاول المنظمة أن تغطي معظم الاحتياجات لهؤلاء بشكل شهري”.
وفي ما يخص قطاع سبل المعيشة يقول تريسي “يعتبر هذا القطاع من أهم الاستراتيجيات التي بدأنا العمل عليها في المنظمة. أردنا من خلال هذا القطاع جعل الناس لايعتمدون بشكل أساسي على تقديم سلة الاغاثة”. ويلفت في هذا الإطار إلى إطلاق عدة مشاريع ومنها “قرض حسن”، والذي يتضمن دعم الفقراء بمبلغ من المال من أجل إستثمار أراضي أشجار الزيتون، عبر قطافها وعصرها. ومن ثم مساعدتهم في بيع المحصول من زيت وبيرين (مخلّفات الزيتون المعصور). حتى أنهم في المنظمة قاموا بشراء بعض هذا المحصول وتعبئته في عبوات صغيرة لإعادة توزيعه على المحتاجين.
وحول هذا الموضوع يقول أبو غياث (48 عاماً) “أنا نازح مع عائلتي، وأعاني الفقر والحاجة. قامت منظمة بنفسج بمنحي قرضاً، قمت بواسطته بضمان إحدى الأراضي المزروعة بالزيتون. تعاونت مع عائلتي المؤلفة من 9 أشخاص على قطاف الزيتون وعصره وبيعه، مما ساعدنا على تسديد القرض وربح مبلغ جيد من المال”. يشعر أبو غياث بالامتنان لبنفسج التي ساعدته، في الوقت الذي كان فيه بأمس الحاجة للمساعدة.
لم يكن “قرض حسن” المشروع الوحيد الذي عملت عليه بنفسج، وإنما أطلقت أكبر مشروع في الشمال السوري وهو مشروع “المال مقابل العمل” الذي بدأ في مدينة إدلب، بعد تحرير المحافظة في 28 آذار/مارس 2015، وقام بتشغيل أكثر من 340 عاملاً. وذلك في المجال الخدمي، الذي يعد المجال الأهم. وفي هذا الإطار يقول تريسي “شمل المشروع العمل شركة المياه والمجال التعليمي، وفي البلدية، التي كانت شبه متوقفة والآليات بحاجة إلى صيانة ووقود ومواد أخرى للتنظيف، وتم شراء كافة المواد للبلدية لتصبح قادرة على العمل”.
المشروع لقي نجاحاً كبيراً، ولايزال قائماً حتى الآن. وامتد إلى مدينة أريحا وجسر الشغور ليشمل تغطية كافة البلديات، وشركات دعم المياه وتأهيل المدارس. حيث تم تأهيل أكثر من 38 مدرسة وإعادتها إلى العمل بعد تسليمها لمديرية التربية الحرة.
أسامة العبيدو (25 عاماً) أحد المستفيدين من مشروع المال مقابل العمل يقول “أملك شهادة سوق عمومية، وكنت عاطلا عن العمل فتقدمت للحصول على وظيفة بعد إعلان بنفسج عن وجود وظائف. تم اختياري للعمل مع كثيرين في مجال البلدية كسائق، وبالتالي استطعت الزواج ومتابعة حياتي بشكل طبيعي في هذه الظروف الصعبة”.
ونشطت بنفسج في المجال الطبي، سواء في تركيا حيث اللاجئين السوريين، أو في الداخل السوري. ويؤكد تريسي أن المنظمة بدأت بإنشاء مركز طبي في مدينة الريحانية، يضم عيادات متنوعة لكافة الاختصاصات، كالجلدية والبولية والعصبية، إضافة إلى قسم للمعالجة الفيزيائية. ويتألف المركز من دارين للاستشفاء، واحدة للرجال وأخرى للنساء. أما في الداخل السوري فقد أنشأت بنفسج عيادة مبنية على أسس عالمية من حيث المساحة والأجهزة والخدمة الطبية، وذلك في مخيم صامدون في شمال إدلب. ويتابع تريسي قائلا “نحن مؤخرا انتهينا من إنشاء مشافي نسائية وتوليد في أريحا وجسر الشغور”.
خالد العيد (29 عاماً) أصيب بكسور كبيرة من جراء القصف وتهدم منزله. قصد مركز بنفسج في الريحانية وتلقى علاجا فيزيائيا هناك مما ساهم بشكل كبير بتحسن حالته على حد قوله.
ومؤخرا وانطلاقا من أهداف بنفسج في تلبية حالات الطوارئ، قامت بالاستجابة السريعة لمساعدة النازحين من ريف حلب الشمالي نتيجة الأحداث الأخيرة عن طريق فريق التقييم في المنظمة، والذي تواصل مع النازحين بشكل مباشر وقدم المساعدة لأكثر من 5 آلاف عائلة، وذلك عر تأمين ما يحتاجونه من خيام وغذاء وألبسة وأغطية، وكل ما يلزم للتخفيف من معاناة وألم النزوح. هذا ما عبرت عنه أم حسام قائلة “كدنا نهلك في العراء من البرد والجوع، لولا مساعدة بنفسج التي قدمت لنا المأوى والغذاء جزاهم آلله كل خير”.
مايميز بنفسج عن بقية المنظمات بحسب تريسي هو كادرها الضخم في الداخل السوري، والمختص بكل برنامج من برامجها. وقد بلغ عدد موظفيها الدائمين 350 شاباً وشابة، عدا عن أعداد المتطوعين في بنفسج. وفي مكتب الاستعلامات والشكاوى تتابع المنظمة آلية سير عملها من خلال مراجعات المواطنين، ويتم حل أية مشكلة وتوضيح أي خطأ ممكن أن يحدث بين المنظمة والمواطن، وبوقت قياسي الأمر الذي ضاعف من ثقة الناس بالمنظمة.
ويختتم تريسي حديثه مطرقاً إلى شراكات بنفسج مع المنظمات الأخرى، فيقول “نحن نرفض أي دعم مشروط يقدم لنا من أي جهة، فنحن منظمة غير ربحية وغير سياسية ولا تتبع لأي فصيل عسكري، وإنما وجدت لمساعدة المحتاجين السوريين أينما وجدوا، ولهذا لدينا شراكات متعددة مع كل المنظمات العالميه تقريباً العاملة في الشمال السوري”.