بمساع فردية “دار للأيتام” في ريف إدلب الشمالي
المهم هو إكمال تحصيلهم العلمي رغم الحرب تصوير ريم العيسى
في أوائل حزيران/يونيو من العام 2016، أنشأ أحد أبناء مدينة حماة وعلى نفقته الخاصة داراً لرعاية الأيتام في بلدة قاح في ريف إدلب. بلغت كلفة المشروع ما يقارب ال20 ألف دولار أمريكي. تستقبل الدار نحو 100 طفل من إدلب وحماة وجميع المحافظات السورية، ضمن القدرة الاستيعابية لمن فقدوا ذويهم في قصف قوات النظام وتغييب الآلاف منهم في معتقلاته.
محمد الفرج (40 عاما) صاحب المبادرة يقول: ” السبب الرئيسي وراء افتتاح هذه الدار هو ارتفاع نسبة الأيتام في سوريا، وبالتالي عجز المنظمات الإنسانية والجمعيات الخيرية عن استيعاب كافة الأيتام في المناطق المحررة. بالإضافة إلى ارتفاع نسبة التشرد في الشمال السوري وخاصة أماكن انتشار مخيمات اللاجئين. والهدف أولاً وأخيراً حماية كرامة الأيتام، والحؤول دون استغلالهم من قبل ضعاف النفوس، وتقديم البرامج الترفيهية والتعليمية لزيادة قدراتهم في الاعتماد على أنفسهم بدلاً من حالة التشرد التي كان أغلبهم يعيشها”.
ويضيف الفرج: “المبنى الذي قمت بإنشائه تطوعي أقمته على أرض استثمار أدفع ضريبتها سنويا لشخص من بلدة قاح. مساحة المبنى نحو 150 متر مربع، له ساحة كبيرة من أجل تأدية النشاطات الحركية تزيد مساحتها عن 300 متر مربع. نسبة الذكور في الدار نحو 40% و 60% إناث وتتراوح أعمار الأطفال الذين يتم استقبالهم بين 3 و 10 سنوات. يعمل في الدار كادر كامل من مدرسات ومربيات وطباخات متطوعات وأغلبهن أمهات لأطفال أيتام. كما تحتوي الدار على ممرضة متطوعة أيضا تقوم بالإشراف على دواء الأطفال من خلال الوصفات الدوائية التي يقدمها المركز الصحي في البلدة”.
ويلفت الفرج إلى أن إدارة الدار تواصلت مع مديرية التربية في إدلب وحماة من أجل ادراج الدار ضمن خطط التربية، وبالتالي كفالة هؤلاء الأيتام من الناحية التعليمية. ويؤكد أن الإدارة لم تتلقَ أي استجابة من الطرفين الأمر الذي اضطرها إلى شراء قرطاسية ودفاتر للأطفال من أجل تعليمهم أشياء بسيطة، وينوه بأن هذه الأدوات لا تفي بالغرض ولكن وفق ما قال: “على قد لحافك مد رجليك”.
جهود كبيرة يحاول القائمون على الدار تقديمها من أجل توفير حياة كريمة لأطفال حرمهم النظام القاتل من حنان أهلهم وعطفهم ولكن ضعف الامكانات يحول دون تحقيق ذلك.
مدير دار الرعاية بسام الفرج (35 عاما) يقول من جهته: “عدد الأطفال المتواجدين في الدار يتراوح بين 90 و 100 طفل. مع العلم أن الدار تتسع لأكثر من هذه الأعداد. ولكن ضعف الإمكانات تحد من هذا الأمر. تحتوي الدار على صالتين كبيرتين تقدم فيهما نشاطات ترفيهية وتربوية مختلفة. تستقبل الدار مختلف الحالات من سن 3 إلى 10سنوات. وأغلب الحالات المتواجدة لدينا هم أيتام الأب والأم. يوجد لدينا كادر كامل يبلغ عدده نحو 20 شخص من الإناث حصراً وجميعهن من المتطوعات”.
ويتابع الفرج حديثه: “نقدم في الدار وجبات طعام لكل الأطفال. وكل هذه المصاريف نقدمها على نفقتنا الخاصة. ونتطلع إلى ايجاد جهة مانحة تتكفل بهذه الأمور لأنه من المعلوم للجميع أن هذه المصاريف كبيرة، كما ولا يخفى على أحد إن الشتاء قدم إلينا وبدأ البرد يتسلل إلى عظام أطفالنا. ويجب على الجميع المساهمة في تأمين الوقود اللازم والألبسة الشتوية التي تقي أطفالنا هذا البرد”.
رانيا العموري (28 عاما) مدرسة في دار الأيتام تقول: “استشهد زوجي في العام 2014 وترك لي طفلاً في الرابعة من العمر، انتقلت للعيش في المخيمات مع أهلي إلى أن افتتحت دار الأيتام التي أعمل فيها الآن كمتطوعة. أقطن أنا وطفلي في هذه الدار التي وفرت لي ولطفلي دخلاً مقبولاً ومسكنا لائقا. أشرف على تدريس ولدي أيضا من خلال النشاطات التعليمية التي نقدمها للأطفال هنا. أقوم بتعليم الطلاب مادة الرياضيات ولكن بشكلها المبسط جدا بسبب ضعف الامكانات المتوافرة في هذه الدار”.
سعادة غامرة تشعر بها بتول البالغة من العمر 5 سنوات والتي فقدت أمها وأباها في قصف جوي على مدينة الأتارب في ريف حلب. تقول بتول: “أعيش الآن وكأن عائلتي موجودة ولدي الكثير من الأصدقاء أستطيع اللعب معهم متى شئت، يقدمون لنا ألعاباً جميلة شكرا لهم جميعا”.
خالد الموسى (9 سنوات) من محافظة إدلب يتيم الأب وفاقد الأم يقول: “مات أبي منذ سنتين وتزوجت أمي من رجل آخر ولم أعد أراها كثيراً. عشت عند جدتي التي أحبها، والآن أعيش هنا في دار الأيتام ألعب وأتعلم مع أصدقائي وأذهب إلى جدتي كل أسبوع كي أراها”.
دار الأيتام هذه حمت الكثير من الأطفال المشردين الذين لا يجدون من يعيلهم بعد غياب أهلهم بحسب أم عبدو (44 عاما) مقيمة بجانب الدار. وتضيف أم عبدو: “كثير من هؤلاء الأطفال الذين يعيشون في دار الأيتام الآن كانوا ليفقدوا مستقبلهم ويتبعون طرقاً غير آمنة في حياتهم لسهولة انجرارهم إلى ارتكاب الأخطاء كشرب المخدرات وغيرها”.