بضعة دقائق غيّرت رأيي حيال النظام

لم أوافق أخي في البداية على خروجه في المظاهرات المندّدة بالنظام الحاكم في دمشق. كثيراً ما كنا ندخل في جدل طويل حول فائدة الخروج في المظاهرات، وهل فعلاً النظام يستحق أن نخرج عليه مطالبين برحيله، وكثيرا ما ينتهي الجدل بأن لا يقتنع أحدنا برأي الآخر.

دخل الجيش مدينتي بعد أربعة أشهر من خروج المظاهرات ضد النظام في العام 2011. لم يكن دخول الجيش بالقوة، أو بالأحرى لم يلق أي مقاومة تذكر، لأن المظاهرات كانت ما تزال سلمية. بعد سنة من تمركز الجيش في المدينة، بدأت تحصل مناوشات بينه وبين بعض الثوار الذين أصبحوا يحملون السلاح.

بتاريخ 3 تشرين الأول/أوكتوبر 2012، كانت صبيحة أحد أيام رمضان، استفقنا على أصوات إطلاق رصاص كثيف متبادل بين الجيش والثوار، اعتقدنا بالبداية أنها كغيرها من المناوشات تستمر لخمس دقائق وتنتهي ونعود إلى حياتنا الطبيعية. لكن أخي الكبير الذي كان هاربا من البيت لأنه مطلوب للنظام بحكم خروجه في المظاهرات، دخل علينا مسرعا وقال لنا: “هناك معركة كبيرة ضد الحاجز يعد لها الثوار، يجب عليكم الخروج من المدينة”. لم نحمل معنا أمتعة خرجنا بلباسنا فقط.

مشاركة لطالبات إحدى المدارس في التظاهرات السلمية في حي صلاح الدين في مدينة حلب. تصوير: صلاح الأشقر

استمرت المعركة لمدة خمسة أيام لم يكن هناك معارك في سوريا وقتها سوى هذه المعركة التي انتهت بسيطرة الثوار على المدينة في 10 آب/أغسطس 2012. بعدها عدنا إلى المنزل، كان عيد الفطر على الأبواب، ولم أغير في إنكاري على أخي خروجه في المظاهرات حتى الآن. ولكن في اليوم الرابع من عيد  الفطر كانت نقطة التحول التي جعلتني أغير تماما إنكاري لأخي، على الموافقة بشدة على المظاهرات.

في اليوم الرابع من العيد كنا جالسين صباحا مع عائلتي عندما سمعنا صوت الطائرة الحربية لم نكن نخشى الطيران لأننا كنا نجهل حجم التدمير الذي يخلّفه. ولم يكن النظام قد استعمله بشكل كبير أو حتى بشكل جزئي، صعد أخي الكبير إلى السطح، وأبي يشير بإصبعه إلى الطائرة ويحدد اتجاهاتها، ابن عمي لم يبدِ اهتماماً كبيراً بالطائرة وظل جالساً. بعد لحظات اشتد صوت الطائرة وصراخ أخي بأن انبطحوا. لم تكن إلا لحظات حتى سمعنا دوي الانفجار، لم يكن بعيداً عن منزلنا، أخذنا نركض جميعاً، إلى بيت جارنا الذي كان يملك ملجأ تحت بيته.

وبعد دقائق ذهبت الطائرة، وأخذ الناس يتحدثون عن المكان الذي استهدفه القصف. قالوا إنه موقع الحاجز القديم الذي سيطر عليه الثوار. عندها صدمت أنا ولم أجرؤ على إخبار أمي بأن أخوتي الصغار كانوا يذهبون يومياً لجمع فوارغ الرصاصات النحاسية من الحاجز. حين ضربت الطائرة الحاجز لم يكونوا بالبيت، كان علي أخبار أحدهم، أخبرت أخي الذي أخذ يركض باتجاه الحاجز والمشفى للبحث عنهم، وبعد قليل جاء أخي الصغير، ولم يبق سوى الأكبر منه الذي لم نعرف أين هو.

جاء صوت عبر المكبرات الخاصة بالمسجد الكبير في المدينة أن هناك أربع جثث أمام المسجد يرجى التوجه للتعرف عليهم، أبي وأخي توجها للمشفى وموقع الحاجز، لذلك أسرعت أنا لأرى الجثث، عندما وصلت للمسجد، كانت هناك أربع جثث، لم تكن جثث عادية بل كانت مشوهة ومنتفخة ومحروقة. خفت كثيراً لأن الجثث كانت لامرأتين وطفلين حاولت التعرف على جثة أحد الأطفال، اقتربت منها وأخذت أقيس في عقلي حجمها مع حجم أخي لم يكن هو. اقتربت من الأخرى كانت بنفس حجم أخي، كنت أذكر لون بنطال أخي قبل أن يخرج وحاولت أن أمسح الرماد عن البنطال فخرج بعض اللحم في يدي، بكيت كثيراً وكثيراً وعدت خائبة.

عندما وصلت إلى المنزل شاهدت أخي، حضنته طويلاً وبكيت كثيراً، فالأطفال الذين رأيتهم أمام المسجد لم يكن أحد منهم أخي، ولكنهم كانوا أطفال مجرد أطفال.

وتذكرت بعدها إنكاري على أخي خروجه في المظاهرات. عندها علمت أن أخي كان على حق، فالنظام لم ينتقم من الثوار بل انتقم من المدنيين أطفالاً ونساءً، وهكذا نظام لا بد لك من الخروج ضده.