النفايات الطبية في القامشلي جريمة بحق الإنسان والطبيعة
" يؤدّي عدم معالجة النفايات الطبية وحرقها في محارق خاصة إلى التأثير في حياة الإنسان والبيئة على حدّ سواء، وخاصّة بالنسبة لعمّال المشافي والنظافة، وقد تعرّضهم لأمراض خطيرة."
شهدت مدن الجزيرة إهمالا في قطّاع الصحة والبلديات منذ بدايات العام 2012، وتفاقمت مشكلة القمامة وأخطرها مشكلة النفايات الطبية التي لا تتم معالجتها ويتم رميها مع القمامة في المكبّات العامة.
البلديات التي تم تأسيسها إبان إعلان الإدارة الذاتية عام 2014 عملت على تقويض مشكلة النفايات والقمامة، إلا أنّ مشكلة النفايات الطبية لم تتم معالجتها. وبوجود العديد من الوافدين والنازحين من المحافظات السورية الأخرى في المدينة زاد الضغط على المشافي والعيادات، وبطبيعة الحال فإنّ النفايات الطبية تتراكم في هذه المشافي والمرافق الصحيّة أيضا.رائد عمو العضو في مركز روج لحماية البيئة يلفت إلى وجود 17 مركزا طبياً حكومياً، و10 مشافي خاصة ومشفى عام بسعة 200 سرير في مدينة القامشلي. وكمية النفايات التي تخلّفها تبلغ حوالي 600 كلغ يومياً تقريباً، هذه المشافي ترمي النفايات الطبية مع غيرها من القمامة، لتأخذها البلدية بسياراتها إلى مكبات القمامة خارج المدينة.
ويشدد تقرير 2015 لمركز روج لحماية البيئة على ضرورة إيجاد محارق خاصة للتخلّص من هذه النفايات. وقد تم رصد التخلّص من هذه النفايات في بعض المرافق الصحية عن طريق حرقها في براميل معدنية بطرق بدائية، حيث تترك طريقة الحرق هذه “غازات أكسيد الكربون”، و”الدايوكسين” ومركباته، و”أكسيد النيتروجين”، و”الرصاص”، و”الكادميوم”، و”أبخرة الزئبق”، و”كلوريد الهيدروجين”.
ويؤدّي عدم معالجة النفايات الطبية وحرقها في محارق خاصة إلى التأثير في حياة الإنسان والبيئة على حدّ سواء، وخاصّة بالنسبة لعمّال المشافي والنظافة، وقد تعرّضهم لأمراض خطيرة.
رئيسة الهيئة الصحة التابعة للإدارة الذاتية الدكتورة عبير حصّاف تقول في هذا المجال لـ “حكايات سوريا” : “إنّ قانون بناء المشافي وشروطها الفنيّة في وزارة الصحة في السابق كان يتضمّن وجود محرقة خاصّة للنفايات الطبية، وهو ما لم يتمّ مراعاته في بناء هذه المشافي”.وتضيف حصاف: “تمّ في السابق التغاضي عن مجمل الشروط ومنها وجود محرقة ضمن المشفى، وتفتقر المشافي في المدينة للكثير من الشروط التي تجعل منها مشافي جيدة، وخاصة شروط النظافة”.وتؤكّد حصاف: “أنّ هيئة الصحة وجّهت عدة إنذارات للمشافي وحتى مخالفات بسبب الإهمال والنظافة. نحن بصدد جلب محرقتين لكلّ من ديريك وعامودا، وننسق مع مديرية البيئة لاحتواء المشكلة في القامشلي أيضا”.إلا أنّ موضوع النظافة وحده ليس كافيا كما تؤكّد حصاف، فعدم معالجة هذه النفايات يبقي المشكلة قائمة.طارق محمد العضو في مديرية البيئة التابعة للإدارة الذاتية بشأن النفايات الطبية، يعترف أنّهم لم يقوموا بشيء عمليّ لحلّ المشكلة، إلا أنّه يؤكّد أنّهم بصدد تنفيذ عدة مشاريع وهي قائمة بالفعل للتخفيف من آثار النفايات عامة ومنها النفايات الطبية.فالمديرية بحسب محمد تقوم بتجهيز مشروع في منطقة نافكري قرب مدينة القامشلي، وذلك بهدف فرز النفايات وإعادة تدوير ما يمكن تدويره والتخلّص مما لا يمكن تدويره عبر الطمر، وقد وصف محمد خطة طمر النفايات، بالحديثة نوعا ما، فموقع الطمر معزول ومسلّح بالإسمنت وعلى عمق مناسب. بالنسبة للنفايات الطبية، أكّد محمد أنّ ثمة تنسيق مع إحدى المنظمات الدولية، لجلب محرقتي نفايات طبية بسعة 150 إلى 200 كلغ وذلك لأجل مدينة ديريك وعامودا، وفي حال كان المشروع ناجحا سيصار إلى جلب محارق بسعة 1000 كلغ لمدينة قامشلي، وهو ما أكّدته الدكتورة عبير حصّاف، وذلك بما لا يتجاوز السنة كموعد للتنفيذ.
أما بالنسبة للمشفى الوطنيّ فإنّ محرقة النفايات التي كانت فيه وهي بسعة كبيرة قد تعطّلت منذ سنوات ولم يتم إصلاحها بعد. وقد أكّد أحد العاملين الفنيين في المشفى أنّه يتم إهمال الموضوع، مع إمكانية جلب جهاز مماثل، لكنّ المشفى تعرّض للإهمال في السنوات الأخيرة كثيراً، خاصة في ما يتعلّق بصيانة الأجهزة وهي أجهزة ذات نوعية ممتازة.وبعد زيارة ميدانية لثلاث مشافٍ تبيّن أنّها لا تفرز النفايات الطبية، وحتى تلك التي تخصّ غرف العمليات، حيث يتمّ جمعها في أكياس قمامة سوداء كبيرة، ويتم ترحيلها إما عن طريق سيارات البلدية أو عبر نقلها بآليات إلى المكبّات.
ويقول رائد عمو: “إنّ النفايات الطبية وبطريقة طمرها الحالية من الممكن أن تؤثّر حتى على المياه الجوفية وتتسرّب إليها، فلا حلّ سوى بحرقها بدرجات عالية من الحرارة عبر محارق خاصة”.عبد الله (40 عاماً)، وهو عامل نظافة في أحد المشافي الخاصة يقول: “إنّ رائحة الأدوية تطاردنا أين ما كنّا، وليس في المشفى فقط”. في إشارة إلى أطراف المشافي حيث ترمى القمامة. فيما عبّر أحد أقارب المرضى عن هذا الحال بقوله: “أشعر أنّ المدينة مشفى كبير”.
إنّ مشكلة النفايات الطبية إن لم تحلّ فإنّها ستتفاقم أكثر فأكثر، وعلى الرغم من عدم وجود معطيات حول أشخاص أصيبوا جرّاء هذه النفايات، إلا أنّه أمر وارد دوما، وبخاصة عمال النظافة والمشافي، وفي وقت ترتفع فيه الانتهاكات بحقّ الإنسان، وترتفع كذلك الانتهاكات بحقّ البيئة، صار لزاما الالتفات إلى مشكلة تنال من الإنسان والبيئة على حدّ سواء.