المشفى الوطني في معرّة النعمان يعيد الأمل بالحياة
“كدت أفقد حياتي مع أولادي الأيتام حين تعرضنا لقصف الطائرة المروحية. أدى انفجار الصاروخ إلى سقوط سقف المنزل فوق رؤوسنا” تقول هنادي المحمد (35 عاماً). زوجها الذي قضى خلال التظاهرات التي اندلعت في بداية الثورة ترك لها فتاتين وصبي. تبكي هنادي وهي تسترجع هذه الأحداث الأليمة التي وقعت في 26 أيار/مايو 2015، وتضيف: “أنقذنا فريق الإسعاف القادم من المشفى الوطني في معرّة النعمان، تم انتشالنا من بين الأنقاض، اصطحبونا الى المشفى. هناك عمل الكادر الطبي على مساعدتنا، فقد أخرجوا الشظايا من أجسادنا وضمدوا جراحنا”. لكن هنادي في ذاك النهار خسرت ابنتها ليلى التي فارقت الحياة متأثرة بجروحها. كانت في الرابعة من عمرها.
إعادة افتتاح المشفى الوطني في معرة النعمان بتاريخ 1 نيسان/ إبريل 2015، يتحدث عنه مدير المشفى الطبيب أحمد دعدوش الأخصائي في الجراحة العامة (48عاما) ويقول: “في ظل ما يتعرض له ريف إدلب من قصف بكافة أنواع الأسلحة الثقيلة التي أودت وتودي بحياة العديد من المواطنين، وبعد تحرير معرّة النعمان بشكل كامل، كان لابد من افتتاح المشفى الوطني ليستأنف عمله. وليقوم بدور فعال في إسعاف الجرحى والأخذ بيد المرضى في ظل العاناة من الفقر والعوز والنقص الشديد في الأدوية الطبية”.
ويشير دعدوش إلى تنوع الاختصاصات في المشفى بوجود أطباء مختصين بالجراحة العامة، الأمراض النسائية، العظمية، عصبية، داخلية، أطفال، مسالك بولية، فكية، تجميل، تصوير أشعة، أذن وأنف وحنجرة. فيما لا يتوفر في المشفى طبيب عيون، كما في ما يتعلق بالمصابين بحروق فيتم استقبال المصابين بمستوى الدرجة الأولى فقط” .
وعن النقص في المعدات الطبية الضرورية يقول دعدوش: “لا يوجد في المشفى تصوير طبقي محوري أو تصوير مغناطيسي، مع العلم أن الأجهزة موجودة ولكنها معطلة. وهناك نقص شديد في عمال الصيانة لهذه الأجهزة الضرورية، كما ويلزم المشفى أجهزة تنفس إصطناعي للأطفال والكبار”. ويعبر دعدوش عن رضاه لكون: “خدمات المشفى قد فاقت جميع المشافي الخاصة والميدانية في المنطقة”.
بالتأكيد يواجه المشفى حالات مستعصية، أبو عبد الله (50عاماً) تعرّض أخاه أحمد الذي يعمل في نقل المازوت لحريق شب بسيارته، ما أدى إلى إصابته بحروق من الدرجة الثانية والثالثة، وعند اسعافه الى مشفى المعرة الوطني أبلغوه بخطورة وضعه، فذهب به أبو عبد الله إلى تركيا ولكنه فارق الحياة على الطريق.
الممرض في المشفى سمير العمر (30عاماً) يقول: “مساحة المشفى كبيرة، ولكننا لا نستخدم جميع الأجنحة فيه، لأنه تعرض للقصف، الأمر الذي أدى لتهدم بعض أقسامه. يوجد في المشفى قسم للتوليد، وقسم للجراحة العامة، وقسم للأطفال وقسم للإسعاف”. وأشار العمر لوجود صيدلية في المشفى تلبي جزءًا لابأس به من احتياجات المواطنين الدوائية، كما يوجد مطبخ يوزع الطعام حسب المرض والعمر على ثلاث وجبات.
الطبيب مازن (41عاما) أخصائي عظمية يقول: “نحن في المشفى نجري جميع العمليات الخاصة بالكسور، وهذا القسم مزدحم لكثرة الحالات التي تصلنا يومياً من جراء القصف “. وعن عمل العيادات في المشفى يقول الطبيب مازن “أن المريض يدخل أولاً إلى قسم العيادات التابعة للمشفى، فإن كان وضعه يستدعي دخول المشفى، يتم تحويله الى القسم المناسب لمرضه، وإلّا فيتم وصف الدواء اللازم له ويتم صرفه. ماعدا حالات الاسعاف حيث يدخل المريض بشكل مباشر الى المشفى.
وعن الأمور المالية يقول حسان (36عاما) الذي يعمل في المشفى كمحاسب في المشفى: “يتم تمويل المشفى من منظمة سامس ويتقاضى كل موظف راتبه حسب الأختصاص، حيث أن أعلى مرتب يصل إلى 800 دولار أميركي فيما أدنى الأجور نحو 100 دولار”.
تعمل أم عمر (45عاماً) في قسم المطبخ حيث تقدّم الطعام للمرضى في المشفى، تقول أم عمر: “لقد أمّن لي افتتاح المشفى عملاً يساعدني على تحمل أعباء الحياة ، لاسيما وأنني معيلة لأطفالي الستة بعد وفاة زوجي”.
محمد العلي (40عاما) أحد عمال صيانة الكهرباء في المشفى يشير إلى وجود عمال في مجالات مختلفة يسهرون على حسن سير العمل والنظافة والتجهيزات وحتى هناك من يهتم بالحديقة.
أم محمد (39عاما) من أهالي قرية معرشمشة، تتحدث عن أهمية افتتاح المشفى قائلة: “لقد كان افتتاحه ضرورياً جداً سواء لمدينة معرة النعمان أو القرى المجاورة، خاصة بعد بعد إغلاق مشفى معصران، ومشفى تلمنس الميدانيين، فكان لا بد من وجود هذا المشفى لاستقبال الحالات الكثيرة الناتجة عن استمرار القصف، حيث يقوم المشفى بإرسال سيارات الإسعاف بعد القصف مباشرة لاحضار الجرحى والمصابين”. وتتساءل أم محمد فيما إذا كانت هذه المشفى ستسلم من الأيدي الغادرة التي تستهدف كل من يمد يد العون والمساعدة للمدنيين الأبرياء الذين لاذنب لهم، إلا أنهم طالبوا بالحرية وتفوهوا بكلمة حق فكانوا ضحايا لشبيحة النظام وأعوانه” .
يقول مدير المشفى الطبيب أحمد دعدوش “سنساعد الناس بكل الوسائل المتاحة لدينا، وسنخفف من آلامهم ونسير بهم بعون من الله الى طريق المعافاة والشفاء.سنفعل واجبنا وما يمليه علينا ضميرنا، حتى لو كنا هدفا للنظام، لقد اخترنا هذه المهنة الانسانية منذ البداية، والان أصبحت الحاجة ملحة إلينا أكثر من أي وقت مضى، فلا شئ سيضنينا عن مساعدة المرضى والمحتاجين والمتألمين حتى آخر رمق “.