المازوت أزمة كل الفصول!
وبدأ بعض الأهالي بتخزين مادة المازوت استعدادا لفصل الشتاء المقبل تصوير جاندار شرنخي
صحيح أنَّ فصل الشتاء قد انتهى وأتى الصيف. لكنَّ الصيف سينتهي ليعود الشتاء مجدداً وتعود معهُ مخاوف المواطنين من فقدان مادة المازوت في كافة مناطق سوريا. وهي مادة أساسية للتدفئة.
ورغم أن مدينة القامشلي في محافظة الحسكة معروف عنها أنها غنية بالنفط، إلّا أنهُ كان لأهلها قصصهم المريرة التي رووها لموقع حكايات سوريا، عن شتاءٍ قارس عانوا فيه من أزمة عدم توفر مادة المازوت. ما يشغل تفكيرهم حتى في الصيف من تخوف من مواجهة ذات الأزمة في الشتاء القادم.
حكايات سوريا التقى بمجموعة من المواطنين في مدينة القامشلي من مختلف الطبقات، وحكوا تجاربهم مع مادة المازوت في الشتاء المنصرم.
الطبيب المتمرن جوان يصف محاولته تأمين المازوت في نهاية العام الماضي بالحدث البائس والسيئ. وقف جوان لساعاتٍ طويلة امام إحدى محطات الوقود حاملاً عبوة كبيرة تكفي لملء 15 ليتراً من المازوت.
ويقول جوان لموقعنا: “لم أعد أرغب الخوض في تفاصيل أسباب أزمة المازوت في الحسكة عموماً، لكن ما يهمني اليوم هو السؤال التالي: هل سأتوقع فقدان مادة المازوت في الشتاء القادم وما الذي يجب فعله من الجهات المسؤولة في إدارة المنطقة لتفادي الأزمة مجدداً؟”.
ويُضيف جوان: “لا يُعقَل أن نكون في منطقة نفطية وأن نعاني من فقدان أهم المواد في فصل الشتاء، وأن نضطر لشرائها بأسعار مُضاعفَة!” يصف جوان ذلك بالتعسُّف والفشل الإداري، ويقول أنهُ في العام القادم سيُسجّل إسمه لدى محطات الوقود لتعبئة خزان المازوت تفادياً للوقوع في ذات الأزمة، “ولو أنَّ خزاناً واحداً لا يكفي شتاءً بأكمله”.
أمَّا أُم جيهان فقد صارت تتنهّد وهي تتذكّر لحظة توسلها لعامل محطة الوقود بأن يُعطيها حاجتها من المازوت ما يكفيها ليومٍ واحدٍ فقط! فتقول أم جيهان: “صرنا نحصل على كل شيء بالتوسُّل”. حفيدة أم جيهان كانت تعاني من التهاباتٍ حادة نتيجة البرد الشديد في الشتاء المنصرم، “فكيف لا أتوسّل الناس من أجلها؟” تقول الجدّة، ثمَّ تسأل: “هل من عدلٍ أن يبقى الأطفال دون أي وسيلة تدفئة فلا كهرباء ولا مازوت؟”.
أم جيهان التي كانت خائفة من الحديث إلينا تركت خوفها جانباً وصارت تصرخ: “أين ذهب المازوت هل كان علينا أن نموت برداً هل هذا عدل؟”. “غلاء أسعار غير مقبول وفقدان الأدوية وكافة مقومات الحياة، كيف نعيش؟”.
تلك معاناة أم جيهان وبقية المواطنين في القامشلي. وبعدما قطعت أم جيهان الأمل من الحصول على المازوت من الجهات الرسمية، ما كان بها إلا أن حصلت عليه بأسعار مضاعفة من محطات الوقود. وهو ما يدفعها للتفكير بتخزين المازوت في الصيف، كي تجد احتياطاً منهُ للشتاء.
عباس، وبالرغم من صغر سنه (16 عاماً) يقول: “أنا لستُ مقتنعاً بما روِّجَ لهُ عن أنَّ مادة المازوت فُقِدَت فجأة في الحسكة، فهناك مَن قام بسرقتها وبيعها في السوق السوداء، أو بتصديرها إلى مناطق أخرى. لقد تغيّبتُ عن المدرسة لأيامٍ بسبب البرد الشديد وأُصبت بالمرض نتيجة انقطاع وسيلة التدفئة… فنحنُ نعيش معاناةً كبيرة بلا مازوت وكهرباء، فهل هذه حياة؟!”
بالإضافة إلى معاناة المواطنين، تأتي معاناة المزارعين، ويقول المزارع سعيد لحكايات سوريا: “إنَّ كمية 200 ليتر من المازوت يتم توزيعها لكل مزارع لا تكفي الموسم بأكمله، وهذا ما دفعني لأن أخسر بعضاً من محصولي. لم أعد قادراً على ريّه ومعدات الري بحاجة للمازوت”.
يضيف سعيد: “إن لم يكن المسؤولون على قدرٍ من المسؤولية فليتنحّوا. فأنا لستُ مضطراً لشراء عشرين ألف ليتر من المازوت سنوياً لري أرضي، أين دور إدارة المنطقة؟”.
وباعتبار أنَّ محطات الوقود هي الحل البديل عن الجهات الإدارية في القامشلي لناحية توفير المازوت ولو بعد عناء، فقد التقى موقعنا بأبو عنود مالك إحدى محطات الوقود، الذي يقول: “إنّ إنتاجنا من المازوت لم يكن يكفي لمحافظة الحسكة بسبب إرساله إلى مناطق أُخرى في ريف الرقة ومنبج ما خلقَ أزمةً لدينا. لكننا حاولنا تفادي ذلك عبر شراء المازوت من الحرّاقات الخاصة، لكن حصل مضاربة فنحنُ نشتري البرميل بحوالي 7 آلاف ليرة سورية، فيما تجّار المازوت صاروا يدفعون 15 آلفاً ثمنَ البرميل الواحد، ما جعل الحرّاقات تبيع التجّار بدلاً عنا”.
وأبو عنود يطرح بديلاً للمواطنين في الحسكة وينصحهم بتعبئة خزاتاهم بالمازوت صيفاً، لتفادي الأزمة لاحقاً.
من جهتها، كانت هيئة الطاقة في الإدارة الذاتية في الحسكة قد أصدرت تعميماً بالتزامن مع أزمة المازوت في المحافظة في الشتاء المنصرم، وينص التعميم على تولي شركة سادكوب الجزيرة مهمة استلام المحروقات من الحرّاقات لتوزيعه. ويُمنَع الإتجار بالمحروقات بشكلٍ حر.
لكن كثر شككوا في جدوى هذا التعميم، روان تقول لموقعنا: “إنَّ بيع المازوت كان في الحارات والشوارع بمثابة التجارة الأربح في ظل الطلب عليه، كما أننا كنا نضطر للشراء من الباعة وكذلك من محطات الوقود وبأي سعر كان نتيجة الحاجة، في ظل عدم توفر المازوت الكافي من إدارة المنطقة”.
وكعادتها صفحات مواقع التواصل الإجتماعي تُتابع الحدث، وبعضها يعلّق عليه بسخرية. فقد كتبَ رافع اسماعيل على صفحته على فايسبوك مستهزئاً بفقدان المازوت: “أُحيي نضالي بلا مازوت فمما يشكو اللحاف؟ المازوت يؤذي طبقة الأوزون”!
أمّا الناشط والإعلامي همبرفان كوسا فقد كتبَ على صفحته: “كلمتان خفيفتان على اللِسان، ثقِيلتان على البيت، حبيبتان على المُهرِّب (تعليقاً على تهريب المازوت إلى خارج الحسكة)” ويقطع الأمل بحل أزمة المازوت في الشتاء القادم بالقول: “لن تحصلوا على المازوت وأنا على قيدِ الحياة”!
المواطنون في الحسكة عموماً وحيثُ التقيناهم في القامشلي لم تعد تعنيهم الأسباب، ولو تعددت من إدارةٍ ذاتية إلى أزمة تجّار المازوت إلى تهريبه أو تصديره إلى مناطق أُخرى… أمَّا النتيجة المرجوة فهي حل الأزمة، ليُطلُّ الشتاء القادم مع عبوة مازوت مليئة، ودفء يعوّض قليلاً عن مرارة الحرب ومصاعب الحياة الكثيرة! فهل من مستجيب؟ وهل من مازوت في الحسكة والقامشلي خصوصاً في الشتاء القادم؟