القابلة القانونية تنقذ الحوامل والأجنّة

القابلة القانونية أم محمد تتفقد المولود الجديد تصوير سيسيليا

القابلة القانونية أم محمد تتفقد المولود الجديد تصوير سيسيليا

لم تكن بيان الطفلة الوحيدة التي أبصرت النور على يدي القابلة القانونية أم محمد، غيرها الكثير من أطفال قرية المعلقة، أطلقوا صرخة الحياة الأولى بمساعدتها.
مع طول أمد الحرب الدائرة في سوريا، وغياب شبه تام للكوادر الطبية المختصة، تعاني معظم النساء الحوامل من صعوبات أثناء فترة الحمل، الأمر الذي يؤثر على صحة الجنين والأم. هذا ما أكدته والدة بيان الاء (25 عاماً) حيث عانت كثيراً أثناء فترة حملها من ضغوطات نفسية أثرت على صحتها.
آلاء كانت متخوفة بعد إصابتها بالتهابات بولية وتناسلية، لم تستطع معالجتها. وهو ما أدى إلى مضاعفات خلال عملية الولادة، وأثرت على صحة طفلتها في ما بعد.وتقول آلاء: “آلام الحمل كانت شديدة، لم أستطع متابعة حملي بشكل جيد، لعدم وجود طبيبة نسائية، الخوف امتلكني طيلة التسعة أشهر، إنها المرة الأولى التي ألد فيها في منزل قابلة، ما زاد توتري خشيتي من فقدان الجنين” .
رغم أن الولادة مصدر سعادة للأم ، إلا أنها لم تكن كذلك، في غرفة مجهزة بوسائل بسيطة من سرير مشفى غير مخصص للولادة، واسفنجة ملقاة على الأرض، مع مدفأة صغيرة تعمل على الغاز، لتفادي البرد المتسرب من أسفل الباب.
“بعض ادوات طبية، شاش، مقص، ابر، وادوات طبية موضوعة على طاولة، وحامل سيروم معلق على الحائط، إضافة الى مصباح ليزري يستخدم لزيادة الاضاءة أثناء الولادة”. هكذا تصف الاء غرفة الولادة ليلة وضعها لطفلته…
وتضيف آلاء: “غرفة الولادة زادت مخاوفي، التعقيم والبرد كانا مصدر قلق على الجنين، الحياء جعلني اكتم صرخات الولادة لعلمي بأن زوج ام محمد في الغرفة الثانية، أجواء مغايرة لولاداتي السابقة، إلا أن تعامل القابلة وتجاوبها معي جعلني أهدأ قليلاً”.
فاطمة القاسم (21 عاماً) من قرية الرفيد تنتظر مولودها الأول بتوتر أقل.فاطمة تعرف أم محمد وهي على علم بمساعدتها لكثير من نساء القرية اثناء حملهن، سواء في منزلها أو في مكان عملها في مشفى الرفيد، حيث فضلت فاطمة الولادة .
تقول فاطمة لـحكايات سوريا: “معرفتي الجيدة بخبرة أم محمد ووالدتها في عمليات الولادة، ساعدني كثيراً في تجاوز أزمة الطبيبة النسائية، أم محمد التي أشرفت على ولادتي، سوف تشرف على ولادة طفلي، إضافة الى انني سوف أضع مولودي في مشفى، رغم قلة الامكانات الا انها جيدة بالنسبة لولادة طبيعية “.
تشرف أم محمد(44 عاماً) بالتعاون مع والدتها أم نادر(70 عاماً)، التي ورثت المهنة عنها، على ما يقارب 12 حالة ولادة طبيعية في اليوم كما صرحت أم محمد التي تمارس مهنة القابلة او الداية منذ 25 سنة. لم تكن تعلم أنها في يوم من الأيام ستكون الطبيبة النسائية لأغلب النسوة في ريف القنيطرة.
قبل سبع سنوات كان عملها يشهد تراجعاً ملحوظاً. أما اليوم فلا يغلق باب أم محمد، ففي أي لحظة تأتي امرأة حامل للاطمئنان على حملها أو تحديد موعد الولادة . وعن هذا الأمر تقول أم محمد: “أعي تماما ما معنى غياب طبيبة نسائية في المنطقة، غياب الكوادر الطبية أثر بشكل سلبي على السكان، وجدت نفسي منذ ثلاث سنين أحل مكان الطبيبة النسائية”.
وتضيف أم محمد: “لأن الولادة والحمل حالة طبيعية تعني استمرار الحياة، قمت بتجهيز غرفة في منزلي لإجراء عمليات الولادة الطبيعية التي تزيد نسبتها عن 4 ولادات في الاسبوع كمعدل وسطي، وجهزتها بما استطعت واعرف تماما انها لا تكفي في حال استجد طارئ أثناء الولادة، لكن هذا ما استطيع تقديمه للنساء هنا حاليا”.
لم تقتصر مخاطر الولادة على غياب المعدات والرعاية الطبية الجيدة للمرأة الحامل، بل تعدتها لتهدد حياة الأجنة. هناء الموسى (32 عاماً) من مخيم الرحمة-المعلقة، فقدت جنينها وهي في الشهر الثامن، لم تستطع الحفاظ على مولودها لعدم قدرتها على إجراء كشف طبي طيلة فترة الثمانية أشهر سوى مرة واحدة عندما جاءها المخاض المبكر.
تقول هناء: “صعوبة العيش في المخيم لم نعهدها من قبل، إضافة الى بعد المسافة بين المخيم والداية أم محمد منعتني من زيارتها إلا لمرة لواحدة، وحينها علمت أنني فقدت الجنين، أقول في نفسي الآن لم أستطع الحفاظ عليه وهو في رحمي، كيف يمكنني حمايته لو أنه رأى حياة المخيم!؟”
بدورها أم محمد التي طلبت من هناء التوجه الى مشفى النور حديث الإنشاء في قرية الناصرية تقول: “في الحالات الحرجة والخطرة ، أنصح الحامل بالتوجه إلى مشفى الناصرية المختص بالعمليات القيصرية، فإمكانياتي تختلف عن إمكانيات مشفى مختص بالعمليات، وجود المشفى منذ وقت ليس ببعيد، خفف من العبء الذي كنت اتحمله في حالات الاختيار بين حياة الأم أو الجنين”.
الطبيب الوحيد في قرية المعلقة يوسف الحسين يدخل إلى عيادته خمس حالات حمل مترافقة مع التهابات كلى يومياً، وبحكم اختصاصه كطبيب داخلية يكتفي بإجراء فحص بجهاز الإيكو البسيط . ويقول الحسين: “غياب شبه كامل لطبيبة نسائية في منطقة ريفية، أمر سيء جداً ، فالريف ذو دورة انجابية جيدة ومستمرة، استقبل تقديرا خمسة حوامل يوميا، أغلبهن يعانين من التهابات بولية شديدة، لا أستطيع إعطائهن الأدوية خوفاً من مضاعفات لا تحمد عقباها، أكتفي بالاطمئنان على صحة الجنين فقط”.
في الوقت الذي تنتظر فيه نساء القنيطرة دخول الطبيبة النسائية الى المنطقة، تبقى القابلة القانونية أم محمد محط ثقة و ملاذ آمن لأغلبهن.وحتى اليوم تزور بيان شهرياً العيادة المنزلية لأم محمد للتأكد من نموها الغير منتظم وتخلصها من الالتهابات التنفسية التي رافقتها منذ ولادتها.