الشعر الكردي في سوريا بين الماضي والحاضر

منذ مئات السنين والشعر الكردي ينتقل من جيل إلى جيكان هو الجليس الدائم والصديق الأفضل للكرد في محنهم وثوراتهم وجبالهم الشاهقة، ومن أشعارهم وردت الأغاني والتبريكات، وعبره نقل الأهل تاريخهم وأفكارهم ورغباتهم إلى من تلاهم من الأبناء لتستمر الحضارة الكردية..

الشاعر كولال كاساني يشير إلى “التزام الشعر الكلاسيكي الكردي بالبحور الشعرية. ولا بد من التنويه أن الشعراء الكرد تأثروا إلى حد ما بالبحور العربية التي وضعها الفراهيدي”. وينقسم الشعر الكردي الكلاسيكي بحسب كاساني إلى مرحلتين:  “المرحلة الأولى يعود تاريخها إلى القرنين العاشر والحادي عشر، وكان من أشهر رواد الشعر الكردي الكلاسيكي الموزون في تلك الفترة، علي ترموكي وعلي حريري الملقب بالهمداني وهما من هكاري وبابا طاهري. أما المرحلة الثانية فيعود تاريخها إلى القرن الثالث عشر، وتصدر المشهد الشعري في الوسط الكردي فقيه تيران (Feqehê Teyran) والذي لا تزال أغانيه الشعرية تصدح في كل المناسبات، وتحولت إلى أغاني ومواويل للمآتم والأحزان¸بل أن شعره تميز بمخاطبته للطبيعة حتى قيل عنه بأنه كان يكلم النهر بأشعاره فيوقفها، ككناية عن قوة وشدة التراكيب اللغوية والأوصاف المختصة بكل ظاهرة.

للشاعر ترجين رشواني رأي آخر، فهو يعتقد أنه لا يوجد ميزان خاص لتقطيع الشعر الكردي سوى بعض المحاولات مثل جكرخوين الذي كان يتعامل مع ميزان هيسباكورد وهيسبا خورت (hespa kurt û hespa xurit) وهكذا و آخرون ذهبو إلى ميزان (movik-الجملة/الفقرة) إشارة إلى أصابع اليد حيث كان يتم نَسَجَ القصيدة. والآخرون ذهبوا إلى التقطيع العروسي على بحور أحمد خليل الفراهيدي مثل بحر الطويل و البسيط والمدارك و بحر الرمل والرجز. رشواني يعتقد أن الشعر الكردي انحدر من كردستان تركيا على يد الشاعر ملى باتي الذي نظم ملحمة زمبيل فروش و ثم الحريري واحمد خاني و الجزيري و غيرهم من الشعراء.

وعن اشكال الشعر الكردي يقول رشواني هناك الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي أما المقامات الموسيقية التي تدخل الشعر الكردي فأغلبها مقام البيات وثم ال ست و الكورد و الحجاز. ويرى أن أغلب شعراء الكرد ينظمون أشعارهم على على ألحان موسيقية.

أما كاساني فيتصور أنه لا يمكن لأي متابع للشعر الكردي إلا أن يستذكر أحمد خاني صاحب الملحمة الأسطورية مام أو زين (Mem û Zîn) وهي من أفضل روائع الأدب الكردي و التي قام بترجمتها العلامة محمد سعيد رمضان البوطي. أما صاحب شعر الخلود والانشراح النفسي ملا الجزري فقد تأثر بالثقافة الإسلامية لأنه كان فقيهاً وعالماً دينياً لذا تتسم أشعاره أكثرها عن التصوف و الفلسفة ا لوجودية إلى جانب الغزل”.

وعن القواعد والبحور الشعرية يرى كاساني أنه “حتى الآن لم يتم وضع قواعد واضحة و صريحة كما الحال بالنسبة للبحور العربية، بالرغم من بروز شعراء كرد عمالقة أبدعوا في الشعر العربي، ولكن لم يلتفتوا إلى قضية شعبهم في البحث عن الأصول الشعري في الأدب الكردي القديم والمعاصر أمثال أحمد شوقي و سليم بركات وبلند الحيدري”.

 

ويذكر كاساني أن الشاعر الكردي محمود صبري قسّم البحور الشعرية إلى أقسام رئيسية ومن ثم فرعية، القسم الرئيسي هو الغصن ساكس، والفرع هو كوكلي. ولكل غصن مجموعة من الفروع، ويصبح العدد الإجمالي 44 مع البحور المختلفة.

ويرد كاساني سبب تراجع الشعري الكردي راهنا إلى غياب الأصول والقواعد التي من الممكن الاعتماد عليها ما أبقى الشعر الكردي أسير التقليد، بعيداً عن الأصول والقواعد الشعرية”.

ويصف كاساني الشاعر دهام عبد الفتاح بعميد الشعر الكردي المعاصر. ويقول إن عبد الفتاح استخدم في شعره الأسلوب والقواعد الشعرية التي اعتمده

جانب من مكتبة اسو في القامشلي تصوير شفان ابراهيم .
جانب من مكتبة اسو في القامشلي تصوير شفان ابراهيم .

ا الشعراء الأوائل، وأحيانا استطاع أن يحطم تلك القواعد وصولاً إلى الشعر الحر. وهناك إلى الشعر الكردي الحر والشعر الحديث، شعر الهايكو الذي بدأ ينتشر بين المهتمين بالشعر.

كاساني تحدث عن ابن مدينة الحسكة الشاعر الكردي المعروف تيريج والذي اعتمد على عدد الأحرف الصوتية وسماها (movik) في البيت أو الأبيات المتتالية إضافة إلى القافية الموحدة .

ويتطرق كاساني إلى رائد الشعر الكردي الحر إبن إقليم كردستان الشاعر الكردي شيركوه بيكس، الذي تجاوز جميع القوالب الشعرية وفتح الباب أمام الشعر الكردي الحديث، حتى يتمكن من الحضور في الساحة الشعرية العالمية، حيث ترجمت أعماله إلى العديد من اللغات.

على الرغم من كل ما مر به الشعر الكردي من منغصات وتراجع، عاد ليستجمع قواه تارة أخرى. إلّا أنه بقي يكافح ويمنح الرمزية في الأداء. محاولاً استنهاض الهمم والمشاعر والرغبات. باعثاً على التفاؤل تارة والألم تارة أخرى. وبقي الشعر والشاعر الكردي يفتقد الدعم والممول والراعي لأي عمل شعري مهم يخدم الأدب الكردي كما يتوجب.

كان الشاعر الكردي يتوجس كثيراً من سطوة الجهات المختصة في الملاحقة والضغط، وكان يتم إقامة أي مهرجان شعري صغير في غرفة صغيرة توفر الأمن للكثيرين. اليوم بات للكرد مهرجانات وأمسيات شعرية.