الإعتقال لأجل المال
"علمنا أن ما جرى لوالدي يتعرّض له العشرات من الأطباء والتجار. يتم اعتقالهم لأسباب واهية وعبر تقارير كاذبة. ثم تبدأ رحلة ابتزاز العائلة بالمال."
والدي الطبيب الذي جاوز الثمانين من عمره، تم استدعاءه للمثول امام الأمن السياسي للإجابة على بعض الأسئلة.
والدي طبيب معروف بسمعته الحسنة وخبرته في عالم الطب. وكذلك وضعه المادي الجيد كونه طبيب أحد أطباء المعروفين منذ زمن في مدينة حمص وضواحيها. قام أبي بمراجعة الفرع في اليوم التالي، معتبراً أن الاستدعاء أمر طبيعي، وقد يكون السبب طلب بعض المعلومات لسبب ما أو معالجة مرضى ضمن سجن الفرع.
هكذا خمّنتُ، وخمّن والدي. وارتحت لذهابه فهو رجل طاعن في السن يمشي بهدوء وببطئ لأن ساقه تؤلمه ألم شيخوخة. ورفض والدي رغم إلحاحي لمرافقته. كان يعلم كم عانيت ولا زلت من الإستدعاءات المتكررة.
مضى الوقت ببطئ. خرج والدي الساعة الثامنة صباحاً وأصبحت الساعة الواحدة بعيد الظهرا ولم يعد بعد. بدأ القلق يساور والدتي. لكني طمأنتها ألّا تخاف.. فالإجراءات هناك بطيئة. مع ان القلق بدأ يتسلل إلى قلبي عندما جاوزت الساعة الثانية ومن ثم الثالثة فالرابعة والخامسة. وأسدل الليل ستائره على المدينة الصامتة الكئيبة بفعل الظلام.
بدأت بإجراء اتصالاتي وكذلك زوجي مع كل معارفنا. وذهبنا ليلاً إلى مبنى الفرع. لكنهم طردونا بعنف مع التهديد بعدم الاقتراب مجدداً.
عدنا إلى المنزل. كنت أحاول أن أخفي دموعي عن وجه والدتي الخائف. عدت خالية الوفاض من أي خبر. رغم كل المحاولات والأيام التي مرت سريعاً حتى جاوزت الشهر. لم نصل حتى إلى أي خبر أو سبب يوضح سبب الإعتقال.
ذات مساء زار فيه والدتي رجلان، يدّعيان أنهما رجلا أمن لديهما سلطة ونفوذ ما، في الفرع المزعوم. اكدا أنهما يحملان أخباراً عن والدي. سارعت والدتي لاستقبالهما وهاتفتني فجئت مسرعة مع عمي.
قالا أن والدي بخير لكنه معتقل لأسباب غير معروفة. لكن يمكن المساعدة في الإفراج عنه بمبلغ مليون ونصف المليون ليرة سورية نقداً. والتأخير ليس في صالحنا فكلما تأخرنا في الدفع زاد الرقم والمدة التي سيبقونه فيها موقوفاً.
خفت ووالدتي أن يكون الامر عملية نصب. لكننا كنا الطرف الأضعف. وكان لديهما إشارة من والدي. ورسالة مكتوبة بخط يده أن ندفع في الحال. مع كلمات في الرسالة تؤكد أن الكاتب والدي حقاً.
في اليوم التالي سارعنا لتسليم المبلغ. وبعد أسبوع خرج والدي. لم تكن تهمته حقيقية. اتهموه بأنه حاول يوماً مساعدة أحد المتظاهرين الذي كان ينزف حتى الموت ولم يفلح في إنقاذ حياته. بعد فترة علمنا أن ما جرى لوالدي يتعرّض له العشرات من الأطباء والتجار. يتم اعتقالهم لأسباب واهية وعبر تقارير كاذبة. ثم تبدأ رحلة ابتزاز العائلة بالمال.
عندما يكون اعتقال حرية الشخص من أسهل الوسائل. تأتي باقي الممارسات رد فعل طبيعي لمن اعتاد العيش بدون رادع ولا قانون. عمليات الإعتقال بقصد الإبتزاز لا زالت قائمة. وأسماء العديد من التجار يتم توقيفهم وإطلاقهم، والصمت سيد الموقف خوفاً من التنكيل والإنتقام .
سمر ادريس (35 عاماً) من قرى حمص أم لطفلة خريجة حقوق من جامعة دمشق عملت محامية وحالياَ مقيمة في فرنسا عملت قبل خروجي من سوريا ضمن فريق تطوعي للدعم النفسي للمعتقلات اللواتي تم الإفراج عنهن.