أوراق الزمن المر
خططت بيدي طريق نجاحي، بتعبي وسهري واجتهادي. وحين قرر الدهر أن يبتسم لي صفعه الواقع. كانت سنتي الجامعية الأخيرة قبل التخرج من كلية التاريخ. لكن حلمي لم يكتمل، وتحولت بسماتي لأحزان وضحكاتي لآهات.
كان طلاب المدينة الجامعية في جامعة الثورة حلب قد اعتادوا التظاهر تضامناً مع المدن التي كانت تباد بصمت، مثل حمص ودرعا. كان موعدهم الساعة الحادية عشر ليلا بعد أن تغلق أبواب الوحدات السكنية للطالبات. وفي يوم الاثنين 20 تموز/يونيو 2011، كان أحد الأبطال يصرخ صرخة مدوية تملأ أرجاء المدينة. وما هي إلا لحظات حتى اكتظت ساحة المدينة بأعداد هاىلة من الطلاب. هتافاتهم غطت أرجاء المدينة.
كنا ننتظر تلك اللحظات بفارغ الصبر، ولكن فرحتنا لم تكن لتكتمل. لحظات وتتفرّق جموع هؤلاء المساكين حين يهجم عليهم رجال الأمن. كانت ليلة بائسة تلك الليلة. لقد تسلل النوم إلى أجفاننا فأبينا النوم. كنا قد منعنا من النظر من نوافذ الوحدات السكنية ، ولكن كنا ننظر من نوافذ الجناح الصغير، بدأنا نرمق المتظاهرين الأبطال بكل عز وفخر. ونمنّي أنفسنا بمستقبل رائع.
ووسط هذه الأحلام الوردية وكالمعتاد يهجم رجال الأمن المتوحشون وينكلون بالمتظاهرين ويذيقونهم أشد العذاب، ويضربونهم بعصي كهربائية وصرخاتهم تتعالى وتملأ المكان. ثم ياخذونهم ويلقونهم في حافلاتهم لنقلهم إلى السجون. لن أنسى تلك الليلة ماحييت. إنها ليلة الاثنين.
في اليوم التالي أحسست أن شيئا ما يجثم على صدري، وشعرت باختناق يكاد يقتلني. ،لم تعد لي رغبة في شيء حتى أوراق امتحاني رميتها جانبا. وصلني خبر اعتقال أخي محمد. يا آلهي لقد كان هذا الخبر بمثابة صفعة قاسية لي لم أعد أحتمل! كيف سأخبر أمي؟ ماذا سأقول لأبي؟ وأي خبر هذا؟
دارت في رأسي أفكار كثيرة. تراءى أمامي ماحدث الليلة الماضية وكنت أفكر كيف سيعاملونه؟ كم سيقاسي ولا أستطيع حبس دموعي وكتم آلامي. لقد جن جنوني يومها فلم يخطر في بالي سوى زميلتي في الجامعة. أسرعت إليها وكلي أمل أن تساعدني، فأخوها يعمل في رئاسة الجامعة وله شأن فيها. فلم يكن منها إلا أن أجابت: أخي لن يتدخل في مثل هذه الأمور حتى لا يضر نفسه ويخسر منصبه.
لم أفقد الأمل بقيت واحدة اتصلت بها على عجل علي أجد شيئا، كغريق يتعلق بقشة فكان جوابها أكثر خيبة من سابقتها. لم يبق لدي من أمل، طرق الخبر مسامع أمي وأبي ، تيقّنا أن أخي أصبح من الماضي، نظراَ لكثرة نشاطاته الثورية.
في يوم الخميس 23 تموز/يونيو 2011، بدأ الإعداد لمسيرة حاشدة داعمة للنظام، وكانت إحدى المشرفات وهي من مدينة أريحا تحمل صورة كبيرة لبشار الأسد. ،يومها هاجمت تلك المشرفة، وأسمعتها كيلا من الشتائم، في لحظة غضب مني ولم أفكر بعواقب هذا الفعل.
كانت قوات لأمن في كل مكان، سحبتني رفيقاتي إلى الغرفة وأخذن يهدئن روعي، وبعد ان هدأت علمت بأني سأترك الجامعة لامحالة. لأنني أصبحت مراقبة في كل خطوة أخطوها. أصبحت عرضة للاعتقال. والاعتقال بنظر مجتمعي عار كبير لأهلي.
كادت الحيرة تقتلني، فتارة أقول لن أترك حلمي الذي رسمته منذ نعومة أظافري، وأخرى أقول أن ماجرى لأمي وأبي باعتقال أخي يكفيهم فرفقا بهم. وبعد تفكير لم يتعد ساعات خرجت من الجامعة بلا عودة والألم يعتصر قلبي. نظرت مودعة لكل ما أحببته خلال سنواتي الجامعية الثلاث.
خططت بيدي طريق نجاحي، بتعبي وسهري واجتهادي. وحين قرر الدهر أن يبتسم لي صفعه الواقع. كانت سنتي الجامعية الأخيرة قبل التخرج من كلية التاريخ. لكن حلمي لم يكتمل، وتحولت بسماتي لأحزان وضحكاتي لآهات.
كان طلاب المدينة الجامعية في جامعة الثورة حلب قد اعتادوا التظاهر تضامناً مع المدن التي كانت تباد بصمت، مثل حمص ودرعا. كان موعدهم الساعة الحادية عشر ليلا بعد أن تغلق أبواب الوحدات السكنية للطالبات. وفي يوم الاثنين 20 تموز/يونيو 2011، كان أحد الأبطال يصرخ صرخة مدوية تملأ أرجاء المدينة. وما هي إلا لحظات حتى اكتظت ساحة المدينة بأعداد هاىلة من الطلاب. هتافاتهم غطت أرجاء المدينة.
كنا ننتظر تلك اللحظات بفارغ الصبر، ولكن فرحتنا لم تكن لتكتمل. لحظات وتتفرّق جموع هؤلاء المساكين حين يهجم عليهم رجال الأمن. كانت ليلة بائسة تلك الليلة. لقد تسلل النوم إلى أجفاننا فأبينا النوم. كنا قد منعنا من النظر من نوافذ الوحدات السكنية ، ولكن كنا ننظر من نوافذ الجناح الصغير، بدأنا نرمق المتظاهرين الأبطال بكل عز وفخر. ونمنّي أنفسنا بمستقبل رائع.
ووسط هذه الأحلام الوردية وكالمعتاد يهجم رجال الأمن المتوحشون وينكلون بالمتظاهرين ويذيقونهم أشد العذاب، ويضربونهم بعصي كهربائية وصرخاتهم تتعالى وتملأ المكان. ثم ياخذونهم ويلقونهم في حافلاتهم لنقلهم إلى السجون. لن أنسى تلك الليلة ماحييت. إنها ليلة الاثنين.
في اليوم التالي أحسست أن شيئا ما يجثم على صدري، وشعرت باختناق يكاد يقتلني. ،لم تعد لي رغبة في شيء حتى أوراق امتحاني رميتها جانبا. وصلني خبر اعتقال أخي محمد. يا آلهي لقد كان هذا الخبر بمثابة صفعة قاسية لي لم أعد أحتمل! كيف سأخبر أمي؟ ماذا سأقول لأبي؟ وأي خبر هذا؟
دارت في رأسي أفكار كثيرة. تراءى أمامي ماحدث الليلة الماضية وكنت أفكر كيف سيعاملونه؟ كم سيقاسي ولا أستطيع حبس دموعي وكتم آلامي. لقد جن جنوني يومها فلم يخطر في بالي سوى زميلتي في الجامعة. أسرعت إليها وكلي أمل أن تساعدني، فأخوها يعمل في رئاسة الجامعة وله شأن فيها. فلم يكن منها إلا أن أجابت: أخي لن يتدخل في مثل هذه الأمور حتى لا يضر نفسه ويخسر منصبه.
لم أفقد الأمل بقيت واحدة اتصلت بها على عجل علي أجد شيئا، كغريق يتعلق بقشة فكان جوابها أكثر خيبة من سابقتها. لم يبق لدي من أمل، طرق الخبر مسامع أمي وأبي ، تيقّنا أن أخي أصبح من الماضي، نظراَ لكثرة نشاطاته الثورية.
في يوم الخميس 23 تموز/يونيو 2011، بدأ الإعداد لمسيرة حاشدة داعمة للنظام، وكانت إحدى المشرفات وهي من مدينة أريحا تحمل صورة كبيرة لبشار الأسد. ،يومها هاجمت تلك المشرفة، وأسمعتها كيلا من الشتائم، في لحظة غضب مني ولم أفكر بعواقب هذا الفعل.
كانت قوات لأمن في كل مكان، سحبتني رفيقاتي إلى الغرفة وأخذن يهدئن روعي، وبعد ان هدأت علمت بأني سأترك الجامعة لامحالة. لأنني أصبحت مراقبة في كل خطوة أخطوها. أصبحت عرضة للاعتقال. والاعتقال بنظر مجتمعي عار كبير لأهلي.
كادت الحيرة تقتلني، فتارة أقول لن أترك حلمي الذي رسمته منذ نعومة أظافري، وأخرى أقول أن ماجرى لأمي وأبي باعتقال أخي يكفيهم فرفقا بهم. وبعد تفكير لم يتعد ساعات خرجت من الجامعة بلا عودة والألم يعتصر قلبي. نظرت مودعة لكل ما أحببته خلال سنواتي الجامعية الثلاث.
لم يمض أيام حتى علمت بقرار فصلي من الجامعة، التي طالما حلمت أن أتخرج منها. تركي لجامعتي لم يرهقني كفقدي لأخي وتفكيري الدائم به وبأمي وبأبي، فلم يمض شهور حتى كسا الشيب رأس أبي والتجاعيد رسمت على وجهه ما يخفيه من حزن وأسى. أما تلك المسكينة فلم أر عينيها جفت من الدمع قط فغيابه قتل فينا الحياة وألبسنا كساء الزهد.
ولكن أليس بعد الليل فجر يعقبه؟ أليس بعد العسر يسر بل ويسرين؟ بلى فوالله لم تعد قلوبنا تحتمل فقد كتبنا بأيدينا أوراقا مرة عشناها. لم نكتب من حلوها شيئا. تبعثرت أوراقنا وتطايرت في مهب الريح فبقي منها ما سنعيشه ونسأل الله تعالى فرجا قريبا لكل مبتل. وبيد الله مقاليد الأمور ونأمل من الله تعالى رؤية أخي وخروج جميع المعتقلين من السجون إنه قادر على ذلك والحمدلله رب العالمين.
ولكن أليس بعد الليل فجر يعقبه؟ أليس بعد العسر يسر بل ويسرين؟ بلى فوالله لم تعد قلوبنا تحتمل فقد كتبنا بأيدينا أوراقا مرة عشناها. لم نكتب من حلوها شيئا. تبعثرت أوراقنا وتطايرت في مهب الريح فبقي منها ما سنعيشه ونسأل الله تعالى فرجا قريبا لكل مبتل. وبيد الله مقاليد الأمور ونأمل من الله تعالى رؤية أخي وخروج جميع المعتقلين من السجون إنه قادر على ذلك والحمدلله رب العالمين.
أمل الإسماعيل (27 عاماً) من قرية معرة حرمة عزباء وتعمل كمعلمة حيث تقيم في ريف إدلب.