ألغام داعش تقتل الأرض والزرع والبشر

"يعمل فريق من الشباب المتطوع على مساعدة المدنيين، من أجل تنظيف أراضيهم من تلك المتفجرات، لكن قلة الإمكانات تقف عائقا في وجه مهمتهم الإنسانية النبيلة"

يعاني العشرات من المزارعين في ريف حلب الشمالي من انتشار الألغام في أراضيهم، مما يحرمهم من استثمار تلك الأراضي موسما بعد آخر.تنظيم داعش أو الدولة الإسلامية في العراق والشام، وقبيل انسحابه من بلدات الريف الشمالي لحلب، أقدم على زراعة عشرات الألغام في المنازل والأراضي الزراعية.لقي عدد من المدنيين مصرعهم وأصيب آخرون بينهم أطفال جراء انفجار تلك الألغام المنتشرة في أماكن متفرقة، كما تحولت الأراضي الزراعية إلى مناطق محظور الدخول إليها والتجول فيها جراء تلك الألغام القاتلة.

أحد المزارعين بريف حلب ويدعى نجيب محمود (50 عاماً) يؤكد أنه لم يتمكن من جني محصول الزيتون جراء انتشار الألغام في أرضه، وقد تم نزع بعض هذه الألغام لكن هناك الكثير منها، ورغم مناشدات المسؤولين لحل هذه المعضلة كان الرد دائما هو غياب المعدات اللازمة لنزع تلك الألغام.يقول محمود: “تسببت الألغام بخسائر اقتصادية كبرى لنا نتيجة عدم القدرة على جني المحاصيل والعمل على زراعة الأراضي الأخرى، كما نسمع بين الحين والآخر إصابات الأطفال بسبب تلك الألغام، ومن بينها ما يؤدي لحالات بتر بالأطراف”.ويكمل محمود: “ناشدنا المسؤولين في البلدة من أجل تقديم يد العون لنا، لكن الجواب كان أننا لا نمتلك معدات خاصة لنزع الألغام فمعظمها هي معدات قديمة وبدائية، كما أن معظم العاملين في هذا المجال هم من المتطوعين فقط”.يعمل فريق من الشباب المتطوع على مساعدة المدنيين، من أجل تنظيف أراضيهم من تلك المتفجرات، لكن قلة الإمكانات تقف عائقا في وجه مهمتهم الإنسانية النبيلة، لا بل إن البعض منهم أصيب بشبه إعاقة جراء انفجار تلك الألغام.

أبو عبد الله ميسرة قائد فريق الهندسة لنزع الألغام في ريف حلب الشمالي يقول لـ “حكايات سوريا”: “مجموعتنا مستقلة ولا تتبع لأي تنظيم عسكري، وهي من الشبان المتطوعين لنزع الألغام، وبينهم عسكريين سابقين كانوا في قسم الهندسة العسكرية مع جيش النظام السوري. وبينهم من خضع للتدريبات في هذا المجال خلال سنين الثورة السورية وأصبح يمتلك الخبرة العملية الكافية”.
ويضيف ميسرة: “بعد خروج تنظيم الدولة الإسلامية من ريف حلب الشمالي ومنطقة درع الفرات خلف وراءه آلاف الألغام والمتفجرات في الأراضي والبساتين والمدارس التي أصبحت أشبه بكابوس للأهالي، ولم يكتف التنظيم بذلك، بل عمد عناصره إلى تلغيم المعدات والآليات الزراعية العائدة للمزارعين في قرى دلحة وكفرة ومارع واعزاز والراعي وغيرها، ما تسبب بإصابة عشرات المدنيين”.
ويكمل ميسرة قائلاً: “تمكن فريقنا رغم الإمكانيات البسيطة والمعدات البدائية من تفكيك قرابة 40 ألف لغم في المنطقة منذ خروج تنظيم الدولة وجميعها موثقة لدينا، كما قمنا بوضع إشارات تحذيرية على المناطق التي تحتوي الألغام حفاظاً على أرواح المدنيين. و حتى اللحظة لم نتلق أي دعم من المنظمات الدولية التي تعتبر أن المنطقة هي منطقة صراع عسكري”.

هذه المهمة الخطيرة التي تفرغ لها بعض المتطوعين تسببت لهم بإصابات بليغة خلال عمليات التفكيك في ريف حلب، وتركتهم في حالة يرثى لها. محمد أحمد (31 عاما) أحد المتطوعين في فريق نزع الألغام في ريف حلب أصيب خلال عملية تفكيك لغم في أرض زراعية.

يقول أحمد لـ “حكايات سوريا” : “عملنا على تمشيط مئات الألغام في الأراضي الزراعية في ريف حلب، وتمكنا من نزع الآلاف منها، وكنا لا نسمح للأهالي بالعودة إلى منازلهم قبل التأكد من خلوها التام من المتفجرات”.

ويكمل أحمد: “خلال عملية تفكيك لغم في مدينة الباب انفجر بي وتعرضت لإصابة خطيرة تسببت لي بشلل شبه دائم”.لا تبدو أن المعضلة التي يعاني منها المزارعون والمدنيون في ريف حلب ستنتهي على أقل تقدير في الوقت القريب، مما يرشح ارتفاع أعداد الضحايا، وتحول مئات الهكتارات من الأراضي الزراعية الخصبة في ريف حلب إلى أراضي بور تقدم الموت والدمار بدلا من الغذاء والفائدة للبشر.