أسعار المواد الاستهلاكية في الحسكة تواصل تحليقها
المواد الاستهلاكية رغم توفرها لا تجد طريقها إلى المواطنين بسبب غلاء الأسعار تصوير جلنار عبد الكريم
امتنعت إلهام عيسى عن شراء اللحوم، إلّا في الحالات النادرة والأعياد والمناسبات، وهي تشتري بالأوقية من أجل نكهة الطعام، عكس ما كانت عليه سابقاً، حيثُ كانت تشتري اللحم بالكيلوغرامات شهرياً.
السيدة إلهام عيسى (44 عاماً)، وهي إحدى سكان محافظة الحسكة، تقول لـ “حكايات سوريا”: “ارتفعت أسعار اللحوم في الحسكة، بشكل خيالي، قياساً بدخل المواطن العادي أو الموظف الحكومي. ما جعل وجود اللحوم في مائدة غالبية الأهالي متوسطي الدخل أمراً شبه مستحيل، حيث بلغ سعر كيلو اللحمة نحو 4 آلاف ليرة سورية، أي ما يعادل أجر عامل لأسبوع”.
وتشهد أسعار السلع الاستهلاكية، والمواد الغذائية ارتفاعاً كبيراً، في معظم المحال التجارية والأسواق بمحافظة الحسكة وأريافها كافة، وخصوصاً تلك التي تقع تحت سيطرة الاتحاد الديموقراطي الكردي، رغم الهبوط الذي شهدته العملات الأجنبية مقابل الليرة السورية مؤخراً.
ومن المواد التي شهدت ارتفاعاً واضحاً الرز، الزيت، الشاي، السكر، البيض، الطحين، واللحوم، والفروج، والخضروات والفواكه.
وأثار ارتفاع الأسعار دهشة الأهالي،خصوصاً بعد فتح أغلب الطرق التي كانت مغلقة منذ بداية سنوات الثورة، بين مناطق سيطرة النظام والمعارضة، وتحديداً إثر انحسار مناطق سيطرة تنظيم داعش في الرقة وريف حلب الشرقي ودير الزور.
التجار عزوا ارتفاع السلع، لارتفاع تكاليف النقل وطول الطرق وعدم استقرارها، إضافةً لارتباطها بسعر الدولار غير المستقر.
بروان آسو(37 عاماً)، أحد سكان مدينة القامشلي، يقول: “أغلب التجار في مناطقنا يتعاملون بالدولار الأمريكي. لدرجة أن الدولار وارتفاع سعره أو هبوطه، أصبح حديثنا اليومي، ولكن المزعج في الأمر أن الدولار إذا ارتفع مقابل الليرة ترتفع أسعار المواد، وإذا هبط سعر الدولار تحافظ الأسعار على ارتفاعها بدلاً من انخفاضها”.
ويضيف آسو: “كل ذلك بسبب غياب الرقابة كلياً عن الأسواق، رغم وجود سلطتين تتقاسمان السيطرة على هذه المناطق، قوات الأسد والادارة الذاتية. الإ أنّ الاثنين يتفننان باستنزاف الأهالي، ويتسابقان من هو المستفيد الأكبر على حساب المدنيين”.
حسين سعدي (47 عاماً)، وهو أحد تجار مدينة المالكية، الواقعة في ريف مدينة القامشلي يقول لموقعنا: “لسنا المسؤولين الوحيدين عن ارتفاع الأسعار، فنحن كتجار، لا نستفيد من البيع سوى القليل، إذا ما قارنا الأسعار مع تكاليف نقل المواد من محافظة لأخرى أو من مدينة لأخرى”.
ويضيف سعدي: “إنّ المستهلك عادةً يريدنا أن نبيعه بالسعر الذي اشترينا به المواد، فماذا سنربح إنّ بعنا بالسعر الذي اشترينا به من المصدر، فإن اضطررنا لذلك، فالأفضل أن نغلق محالنا، ونجلس في بيوتنا”.
شيخموس حمو عضو في احد المجالس المحلية في محافظة الحسكة، يوضح لـ “حكايات سوريا” دور المجالس المحلية في الرقابة على ارتفاع أسعار المواد والسلع الغذائية في مناطق سيطرة الادارة الذاتية. ويقول: “نقوم بدورنا في ما يخص الرقابة التموينية على الأسواق، ونحنُ على اطلاعٍ تام في ما يدور بالأسواق من ارتفاعٍ للسلع والمواد الغذائية، ومن احتكارٍ لبعض المواد من قبل نسبة من التجار، هؤلاء الذين يُطلق عليهم تجار الحروب”.
ويضيف حمو: “ونحن نُرجح أنّ السبب الرئيسي في غلاء المواد، هو التكاليف الباهظة التي يتكبدها التجار بالاستيراد، بالإضافة لأجور النقل، والظروف الاقتصادية والحصار الجائر بهذه المقاطعة، والصعوبات التي تواجهها شركات الجزيرة للنقل، في تأمين المواد التموينية والسلع الأساسية”.
ويتابع حمو قائلاً: “نحنُ نعلم أنّ الأسعار في الأسواق أصبحت مؤلمة بالنسبة للمستهلك، لكنها برأينا مناسبة نوعاً ما، قياساً مع تكاليف الاستيراد وأجور النقل، والآتاوات التي تفرضها بعض الجهات المسلحة على أغلب الطرقات التي تأتي عن طريقها البضائع”.
هكذا تزايدت أعباء المواطن في مناطق الجزيرة السورية، فقد بات عاجزاً عن تأمين قوت يومه، وقد عمدت الطبقة الوسطى لتغيير الكثير من عاداتها ومن نمطها الغذائي من خلال التقشف وشد الأحزمة في السنوات الأخيرة.
أمّا الشرائح الأدنى، والتي تمثل القطاع الأوسع من الناس، فباتت تعيش هاجساً يومياً يتمثل بعجزها عن تأمين وجباتها الثلاث، مما دفع غالبية الموظفين، وأصحاب الدخل المحدود إلى الهجرة خارج البلاد، إثر معاناتهم من صعوبة العيش، وارتفاع الأسعار الذي يقف عائقاً أمام استقرارهم المادي والنفسي.
ويوضح نصار حمدي (39 عاماً)، ابن مدينة الدرباسية: “رواتبنا التي نتقاضاها من الحكومة السورية قليلة جداً، ولا تكفينا لنعيش كما كنا من قبل، فلم يعد لدينا خيارات أخرى، سوى الهروب إلى مكان للعيش عله يكون أرحم، لذا أصبحت الهجرة أحلى الأمرّين لأبناء منطقة الجزيرة بالعموم”.
يشار إلى أنّه رغم ارتفاع أسعار المواد الغذائية، خلال سنوات الحرب، الإ أنّ الدخل بقي مراوحاً مكانه، الأمر الذي أحدث هوةً كبيرة بين دخل الموطن، وأسعار السلع الغذائية بالمجمل.