مصيرُ أخي وأُختي!

أخي الذي يبلغ من العمر 21 عاماً، كان يحلم بأن يدخل الجامعة ويذهب إلى مدينة حلب ويتجوَّل في شوارعها وأسواقها.

درسَ الثانوية الصناعية وحصلَ على مجموع جيد. تسجَّلَ في المعهد التقني في حلب، وكان يسعى جاهداً للحصول على معدلٍ عالٍ، يؤهّله لدراسة الهندسة التقنية في الجامعة. وكان أهلاً لذلك…

قدَّم السنة الأولى من المعهد واجتازها بأعلى الدرجات وكان من الأوائل. وترفَّعَ الى السنة الثانية مع حماسٍ كبير، وتفوَّق فيها أيضاً…

بعد انتهاء العطلة الصيفية وبدء العام الدراسي الجديد، كان أخي ينوي الذهاب إلى حلب لدراسة عامه الأخير في المعهد. وكانت أختي الصغرى قد قُبلت في الجامعة هناك، فاصطحبها معه لتقدِّم الأوراق المطلوبة. لأنهُ يخشى عليها من الذهاب وحدها، فالشبيحة وقوات النظام يملآن أرجاء حلب، حيثُ كانت الثورة في أوجِها.

في صباح 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2013، كانت انطلاقتهما.

ودَّعنا أخي بحرارة وراح يقبّل رأس والدَيّ. كانت هذه عادته كلما خرج من المنزل، طالباً منهما الدعاء والرضا. لكنّي أحسست أن هذا الوداع مختلفاً عن غيره!

شيء غريب انتابني في تلك اللحظة، وراودَني شعور أنَّ شيء ما سيحدث!

ركبا السيارة وانطلقا من مدينتنا إدلب، فكان الطريق طويلاً… وبعد مرور ثماني ساعات، وصلا بخير وسلامة إلى حلب.

وفي اليوم التالي، اتصلتْ بي أختي وأخبرَتني أنَّها قدَّمت الأوراق المطلوبة للجامعة، وستبدأ الدوام في الفرع الذي كانت تحلم به، وهو الأدب الإنكليزي.

بعد مرور أكثر من شهرين، حصلت مشكلة في جامعة حلب، وبدأت قلوبنا تخفق من شدة الخوف على إخوتي!

ونحن نتابع الأخبار، إذ بخبرِ اعتقال بعض الشبّان من مدينة إدلب!

اتصلتُ بأخي فوراً، فأخبرني أنَّ قوات النظام اعتقلوا بعضَ الشبّان من منازلهم وجامعاتهم، بحجة التظاهر والإرهاب. وطمأنني أنهُ بخير وألّا نقلق عليه.

لكن في اليوم التالي، اتصلت بنا أختي وهي تبكي وتقول: “اعتُقِلَ أخي!”

لم أُصدّق ما سمعت، فاتصلتُ به مراراً وتكراراً… لكنْ دون جدوى!

يا لها من كارثة! كيف سأُخبر والدَي، اللذين ينتظران تخرّجه من المعهد بفارغ الصبر؟

في هذه الأثناء عاد والدي إلى المنزل، حاملاً معهُ الخبر نفسه! فانهارت أمي، وباتت دموعها لا تفارقها أبداً…

حلب : بستان القصر مقاتل يصطحب والدته متجهين لمنزلهم
حلب : بستان القصر مقاتل يصطحب والدته متجهين لمنزلهم

خفنا على أختي كثيراً، وهي لم تكمل امتحاناتها الفصلية بعد، لكن طلبنا منها العودة إلى إدلب.

والحمدُ لله وصلت إلينا سالمة، بعد أن انقطعت أنفاسنا ريثما تصل إلى المنزل.

روَت ما دار بينها وبين أخي، في ذات اليوم الذي تمَّ فيه اعتقاله، وقالت لنا: “كان قد أتى إلى المنزل الذي أسكنُ فيه، ليطمئنَّ عَلَي. وأخبرَني أنه سيسافر إلى إدلب في الصباح الباكر بعد أن أنهى امتحاناته. وسيُقيم وليمة مع أصدقائه هناك، احتفالاً بانتهائهم من الإمتحانات الفصلية. وقد اشترى بعض الأغراض والهدايا المتواضعة لوالدَي وإخوتي. وقال لي: انتبهي لنفسك جيداً، لأنَّ الأوضاع متأزِّمة. وكوني على حذر عندَ ذهابك وعودتِك من الجامعة…”

أضافت أختي: “ثمَّ ذهب إلى منزله… وبعد ساعتين، اتصلت بي صديقتي وأخبرتني باعتقال أخي وأصدقائه الذين يسكنون معه في المنزل، وهم أيضاً طلاب.”

اعتُقِلَ أخي في الثامنة مساءً من يوم الإثنين، 27 كانون الثاني/يناير 2014.

وتقولُ أختي: “لم أعد أحتمل ما حدثَ لأخي، وضاقت الدنيا في وجهي. كرهتُ الجامعة ولن أعود إليها أبداً بسبب ما حدثَ لأخي”.

ناية العبدالله (30 عاماً) من كفرنبل، متزوجة وتحمل شهادة معهد صحي… فقدت وظيفتها بسبب الأوضاع الأمنية في سوريا.