للحرب في سوريا تأثيرات صحية ونفسية تحتاج للمعالجة
21. أطفال في احدى مخيمات ريف ادلب الجنوبي يحاولون الدراسة والتعلم تحت اشعة الشمس رغم كل ماسي المخيمات
"لم نكن نعرف أنه هدوء ما قبل العاصفة. غارة جوية استهدفت المدرسة المجاورة لمنزل بيت عمي . ركضنا مسرعين الى القبو، والحمد لله لم يصب احد بمكروه"
سبع سنوات من الحرب، عرفنا خلالها الألم والمعاناة. حرب خسر فيها الجميع. صحيح أنني وعائلتي لم ننزح من ديارنا، لكن الحرب كان لها أثرها الملحوظ على ابنتي الصغيرة.
إنه يوم الجمعة، كنا اعتدنا على تناول طعام الغداء عند بيت عمي، أهل زوجي. وهذه عادة جميلة من عادات قريتنا. وبعد تناول الغداء وشرب الشاي، كان الجميع يلاعب ابنتي الصغيرة (4 أعوام) وضحكتها تملأ المكان، وتركض من حضن إلى حضن كفراشة تتنقل بين زهرات الربيع ووروده بهدوء.
لم نكن نعرف أنه هدوء ما قبل العاصفة. غارة جوية استهدفت المدرسة المجاورة لمنزل بيت عمي . ركضنا مسرعين الى القبو، والحمد لله لم يصب احد بمكروه.
في المساء وحين عدنا الى البيت اكتشفت أن ابنتي الصغيرة أصيبت بمرض التبول اللا إرادي. إنها المرة الأولى منذ أن كانت في الثانية من عمرها. لمتها وأنًبتها مرات عدة. لكن الامر بقي على حاله. بل على العكس تماما بدأت ألحظ أن المشكلة قد ازدادت سوءاً.
ولفت انتباهي أن طفلتي كانت وفي كل مرة تبكي بكاءًا شديداً. وأشعر بها وكأنها تقول لي أنا مذنبة يا أمي ولا تسمح لي بالاقتراب منها إلا بعد محاولات عديدة. استمرت على تلك الحالة وبدأ قلقي يزداد يوماً بعد يوم.
أشرت إلى زوجي بأن نصطحبها إلى طبيب مختص في كفرنبل المجاورة. وبالفعل ذهبنا إلى هناك، وبعد الفحص أخبرنا الطبيب المختص أنها الحالة رقم 140 هذا الشهر. وهي ظاهرة ازدادت بشكل كبير بعد الحرب وظروف وأجواء الخوف الشديد من أصوات الطائرات وأصوات انفجارات القذائف التي يخشاها الكبار قبل الصغار.
أكمل الطبيب قائلاً: ابنتك ليست الحالة الوحيدة، عاينت بالأمس أحد الأطفال ويبلغ من العمر 7 سنوات ويقول والده أنه لم يعد يذهب الى المدرسة بسبب تبوله على مقعده في الصف عند سماعه صوت الطائرة.
ونبّهني الطبيب إلى ضرورة عدم معاقبتها فهي ليست مذنبة. وأنه لا بد من احتضانها حتى تتمكن من اجتياز هذه المرحلة الصعبة من حياتها، فالعلاج النفسي خير وسيلة للتخلص من هذه المشكلة…
شعرت بإحباط وألم شديدين على الحالة التي لم نعتد عليها ولم نسمع بها من قبل. اكتشفت أنني لم أكن الأم الوحيدة التي أصاب أطفالها هذا المرض. خلال زيارتي لجارتي أم توفيق اكتشفت أن ابنها الصغير مروان (7 أعوام) هو الآخر مصاب بنفس المرض.
حاولت بداية إخفاء الامر عني ولم تخبرني إلا بعدما أخبرتها عن حالة ابنتي المستجدة، فصارحتني. قالت لي: “منذ ثلاثة أشهر وابني مروان بتلك الحالة. لم أعد أحتمل من كثرة المرات التي يتبوًل بها على نفسه”.
وبدورها أيضا أخبرتني صديقتي أم علي في الحارة الشمالية أنً ابنها محمد أيضا هو الآخر مصاب بنفس المرض، ونفس الأعراض المصاحبة لحالة ابنتي.
عندما علمت من صديقاتي وجاراتي في البلدة حقيقة ما حلّ بأطفالهنّ، خفّف هذا من شعوري، وجعلني أدرك تماما أني لست الأم الوحيدة التي تعاني. بحثت عن أسباب المشكلة وأصلها وكيفية علاجها على بعض مواقع الانترنت، عملت جاهدة على إيصال بعض ما توصلت اليه الى بعض الأمهات في البلد،ة من خلال الزيارات المتكررة والجلسات الخاصة التي كنا نراقب بها أبناءنا ونساهم ولو بجزء بسيط في علاجهم.
لم اكن أعلم أن هؤلاء الأطفال سيتأثرون هكذا بهذه الحرب. لطالما كنت أقول في نفسي عند سماع أصوات الطائرات “ليتني طفلة صغيرة لا أفهم ولاأدرك ما يحدث من حولي”.
بعدها بدأت بترويض نفسي على قبول الواقع المرير الذي نمرُ به الآن. فسماء بلدتي لا تكاد تفارقها الطائرات. ابتكرت طريقة لتجاوز هذه المحنة. عند سماع أصوات الانفجارات والطائرات أتجاهل تماما وأتناسى أي صوت وأقف أمام ابنتي وأحضر لها بعض الألعاب وأغني لها بعض أغاني الأطفال، فلا تشعر ابنتي بأي خوف ولا اكتراث لأي صوت كان.
وبالفعل وبعد مرور أكثر من عام ونصف بدأت أجني ثمار ما زرعت. ابنتي لم تعد تخاف وتكترث لأصوات الطائرات، وبفضل الله أولاً وبفضل العلاج النفسي ومتابعة الدواء، بدأت تتلاشى وبشكل شبه كامل هذه الظاهرة.
بدأت أعمم تجربتي ومشاركتها لبعض النساء في بلدتي وعلى صفحتي الخاصة على الانترنت لعلها تساعد ولو بجزء بسيط لحل هذه الظاهرة المنتشرة حديثا في سوريا.
عائشة السلطان (27 عاماً) من ريف ادلب الجنوبي. خريجة معهد إدارة أعمال من جامعة حلب متزوجة وأم لطفلة صغيرة .