عربات الخيول عادت إلى الشوارع السورية
Horse carts to transport passengers and sell vegetables on the streets of Maarrat al-Nu'man. Photo by: Sonia al-Ali
وكأنها عادت إلى العصور القديمة. لا كهرباء ولا ماء تصل إلى المنازل والطرقات لم تعد تعرف لون الإسفلت. بل تسجل عودة عربات الخيول ليس كمظهر احتفائي تراثي بل في الأعياد والمهرجانات، وإنما كوسيلة يستخدمها الناس لنقل البضائع والأمتعة بين شوارع وأحياء المنطقة الواحد،ة لتسيير أمورهم الحياتية وتخفيف الأعباء اليومية عنهم .
أبو حسين (61 عاماً) من قرية كفرومة يقول: “قبل ثلاثين عاماً كانت عربات الخيول منتشرة في مناطق إدلب على نطاق واسع. ولكنها انتهت بعد أن دخل التطور وانتشرت السيارات، لتعود من جديد بسبب ظروف الحرب التي فرضت غلاء أسعار المحروقات وانقطاعها في كثير من الأحيان، ناهيك عن غلاء أجور النقل. عادت عربات الخيل لمساعدة الناس بأجور زهيدة كما بات القرويون في الأرياف يستخدمونها أثناء رعي قطعانهم، لأنها تتحمل السير في الطرقات الجبلية الوعرة، كما باتت تعين الفلاحين في القيام بالأعمال الزراعية من حراثة الأرض ونقل المحاصيل”.
وليد المعراوي (36 عاماً) يملك إحدى عربات الخيل. يقول المعرّاوي: “إنها الحرب ضيعت أحلامنا وفرضت علينا وضعاً معيشياً صعباً. لم يعد بمقدورنا شراء سيارة للعمل عليها، بسبب غلاء أسعارها من جهة وغلاء مادة البنزين من جهة أخرى. لذلك عمدت إلى شراء عربة خيل أعمل عليها في نقل الخضار والفاكهة من السوق العام إلى المنازل والمحلات، وأحصّل بذلك لقمة عيشي ونفقات أسرتي. الإقبال جيد من قبل الناس على النقل بعربات الخيل نظراً لانخفاض أجور النقل مقارنة مع السيارات”.
وينبّه المعراوي إلى بعض ما يعانيه في هذا المجال. فالخيل لا يتحمل المسير مسافات بعيدة، ويحتاج إلى وقت إضافي للوصول إلى المكان المحدد. كما يعاني المعراوي من برودة الطقس في فصل الشتاء، ولكنه تأقلم مع ذلك بوضع شادر من النايلون على العربة لتحميه من المطر. ويؤكد تحديه للمصاعب، وسعادته بعمله فهو يعمل طوال أيام الأسبوع حتى يوم العطلة يستغله في نقل الأطفال الذين يفرحون بركوب العربة وينتظرون وصولها بلهفة ليخفف عنهم من وطأة الحرب وقسوتها.
كامل الرزوق (41 عاماً) يمتلك مطعماً صغيراً في أحد أحياء المدينة يقول: “في كل مساء أذهب إلى سوق الخضار لتأمين حاجة المطعم، وأنا أفضل أن أنقل ما أشتريه بعربة الخيل نظراً لرخص أسعارها. النقلة تكلفني 300 ليرة سورية في حين أحتاج إلى 1000 ليرة إذا نقلت أمتعتي بسيارات الأجرة، وبذلك أوفر بعض المال في ظل ما نعيشه من غلاء المعيشة وتدني مستوى الدخل، ولكننا سنظل ننحت في الصخر ونواجه واقعنا المرير بصبر وثبات آملين أن نحظى بنصر ثورتنا وانتزاع حريتنا المسلوبة من نظام القمع والاستبداد”.
أبو أيمن (45 عاماً) كان يبيع مع ولده المحروقات على بسطة في الشارع. اشترى عربة تشكل عوناً له في نقل بضاعته من منزله إلى مكان عمله، فالدراجة النارية حسب وصفه لا تتسع لبراميل المحروقات.
وفي الوقت الذي يعود فيه إقبال بعض الأهالي في إدلب على عربات الجر واستخدام الدواب في أعمالهم، تتراجع مهنة تربية الخيول العربية الأصيلة الشهيرة عالمياً. فقد كانت سنوات الحرب كفيلة بانحسار هذه المهنة التي لطالما تباهى بها الشعب السوري برمته. منيب أبو جواد (34 عاماً) من ريف إدلب، يمتلك مزرعة لتربية الخيول العربية الأصيلة، يتحدث عن أسباب هذا التراجع، فيقول: “الخيل العربي الأصيل من أقدم وسائل النقل، وقد حظي بحضور مميز أوقات السلم والحرب، ولكنها الحرب السورية الضارية التي تركت بصمتها على كل غال ونفيس، إذ يعاني مربو الخيول من نقص طعامها وأعلافها وغلاء أسعارها، إضافة إلى قلة الدواء، وعدم توفر الحظائر المناسبة لتربية الأنواع الأصيلة من الخيول إضافة إلى صعوبة تسجيلها في المنظمة العربية العالمية للجواد العربي “واهو” لاستخراج بطاقة نسب تثبت أصالته، مما يشكل تهديداً للسلالة الأصيلة من الخيول والمرتبطة بأصالة وتاريخ البلاد”.
ويؤكد أبو جواد بأنه لا يزال محافظاً على هذه الهواية رغم كل الصعوبات، وبالرغم من ما قد تتعرض له الخيول من مخاطر جراء أعمال القصف. لأن الأمر يتعلق بقضية نبيلة وهي التمسك بالجذور في وقت هجر فيه الكثير من السوريين أرضهم، ولأن للفرس الأصيل وقع محبب في النفس، وتمتاز بالذكاء لأنها تعرف صاحبها من وقع أقدامه، كما تشتم رائحته من مسافات بعيدة، فتصهل دليلاً على ذلك.
لكن غلاء أسعارها و سوء الأوضاع المعيشية يجعل القدرة على شرائها تفوق إمكانيات الأهالي، مما يجعل البعض يندفعون وراء تحقيق المكاسب والأرباح المادية، فيقومون بتهريبها خارج البلاد لبيعها بأسعار مرتفعة، إذ يتراوح سعر الفرس الأصيل بين ألفين و 25 ألف دولار أميركي، حسب الجمال والأصالة والنسب، ولكن المال لا يعني شيئاً أمام عشق البعض لهذه الهواية العريقة.