طبخة وحكاية مشروع تعارفي بين النساء في ريف حلب

طبخة وحكاية جلسات تحقق التآلف بين النازحين والمجتمعات المضيفة

بطريقة مشوقة ممزوجة بالحنين والشوق، تتحدث فاطمة عن مدينة حلب التي نزحت منها، والعادات والتقاليد السائدة بها في الزواج والطبخ. ثم تبدأ بإعداد طبخة المحاشي التي تشتهر بها مدينتها بمشاركة زميلاتها في الجلسة.

هذه الجلسة التي جمعت فاطمة المحمود وزميلاتها تأتي ضمن مبادرة “طبخة وحكاية” التي أطلقها فريق “تطوع لنبني” بالتعاون مع المركز المدني في مدينة الأتارب في ريف حلب الغربي، بهدف استهداف النساء النازحات المهمشات من المدينة، القادمات من مناطق مختلفة من سوريا، لتشجيعهن على اللقاءات، وتبادل الخبرات والمعارف، والحد من العزلة الاجتماعية التي يعشنها بعد الانتقال إلى مجتمع مضيف جديد، بحكم التهجير والنزوح القسري الذي لم يخترنه، بل فرض عليهن .

فاطمة المحمود (39 عاماً) تقول: “كنت سعيدة جداً بحضور جلسات مبادرة طبخة وحكاية، حيث تعرفت من خلالها على صديقات من أنحاء المحافظات السورية. كما اطلعت على العادات السائدة بكل منها، ثم تعاونّا معاً في إعداد طبخة المحاشي على الطريقة الحلبية المميزة .”

وتضيف المحمود: “تحدثت في الجلسة عن مدينة حلب التي تتميز بقلعتها التاريخية، وأحيائها إضافة إلى المطبخ الحلبي الغني والشهي الذي يشتاق إليه كل محب لحلب وأهلها .”

وتؤكد المحمود أن الفائدة كانت متبادلة، حيث استمعت إلى حديث النساء المشاركات في الجلسة، وتعرفت من خلالهن على ثقافات وخبرات مختلفة، لذلك تتمنى أن تستمر هذه اللقاءات المميزة التي أخرجتها من وحدتها وعزلتها، وساعدتها على الاندماج والتآلف المجتمعي .

مدير فريق “تطوع لنبني” في مدينة الأتارب عبد اللطيف فج (31 عاماً) يقول عن المبادرة: “تولدت الفكرة من متطوعات الفريق، ولاقت استحسان الجميع، ثم قامت المتطوعات بزيارة النساء النازحات الموجودات في المدينة لطرح الفكرة عليهن، وتشجيعهن على المشاركة، فأبدين الرغبة بحضور الجلسات التي يتم الإعداد لها مسبقاً”.

وأشار عبد اللطيف فج إلى “أن هدف المبادرة هو تقوية روابط الألفة والمحبة بين النساء المقيمات والنازحات، وإبراز دور المرأة في الثورة السورية، والتعرف على العادات والتقاليد للمدن السورية، وأشهر الطبخات التي تشتهر بها كل محافظة سورية وطريقة إعدادها” .

عائشة شاكردي (24عاماً) إحدى المتطوعات في فريق تطوع تقول: “يتكون فريق تطوع لنبني من مجموعة من الشبان والشابات الذين يسعون لتعزيز العمل التطوعي والحث عليه، وإتاحة الفرصة أمام الجميع لتقديم مقترحات من شأنها تطوير المجتمع وخدمته”.

وتضيف شاكردي: “قام متطوعو الفريق بعقد اجتماعات عدة لطرح مبادرات جديدة تفيد الأهالي، ومن هذه المبادرات طبخة وحكاية، التي تم الاتفاق عليها”. لافتة إلى أن كل جلسة يتم خلالها التعارف بين النساء المشاركات والمناطق التي ينتمين لها وعمل كل منهن، ثم يبدأن الحديث عن دور المرأة في الثورة السورية، وأنشطة النساء في المظاهرات، ومساعدة الجرحى والأعمال الإغاثية .

وتشير شاكردي إلى أن النساء يتحدثن أيضاً عن العادات السائدة في مناطقهن، والمناطق الأثرية الموجودة فيها، إضافة إلى الطبخات المشهورة ومكوناتها وطريقة إعدادها، وأخيراً تتشارك النساء الموجودات في عملية الطهي، ثم يتشاركن تناول طعام الغداء معاً .

وتشدد عائشة شاكردي على ضرورة إطلاق المبادرات التي تسعى لتقوية العلاقات الاجتماعية بين النساء المقيمات والنازحات، بهدف مشاركة آلام النزوح وأوجاعه، والتخفيف من الاضطرابات النفسية التي تنتج عن غربة النازحات، ووجودهن في وسط اجتماعي جديد .

أم عدنان (35 عاماً) كانت إحدى المدعوات على جلسات طبخة وحكاية وعن مشاركتها تتحدث لحكايات سوريا فتقول: “في بداية نزوحي من الغوطة الشرقية شعرت بالغربة والحنين لمدينتي التي اشتقت إليها كثيراً، ولكن بعد المشاركة في مبادرة طبخة وحكاية شعرت أن هناك من يشاركني معاناة النزوح وأوجاعه، وتعرفت على أخوات تقاسمنا معاً الذكريات والحنين للماضي، وقضينا وقتاً مسلياً في إعداد الطعام .”

وتضيف أم عدنان قائلة: “المبادرة هي من وجهة نظري فرصة لتوجيه الأنظار إلينا كنساء نازحات، ومساعدتنا على التجاوب مع محنة النزوح والتعبير عن رأينا، بما يكشف عن قوتنا وقدرتنا على الصمود، للتغلب على معاناتنا، والخروج من محنتنا أكثر قوة ومناعة .”

الخمسينية أم محمد تهجرت من مدينة حمص إلى ريف حلب، حضرت إحدى جلسات المبادرة، ولم تستطع أن تخفي دموعها وهي تتذكر مدينتها التي تهجرت منها، والشوق إلى أبنائها الذين لجؤوا إلى إحدى الدول الأوروبية طلباً للأمان وعن ذلك تقول: “جميع شؤون حياتنا مرتبطة بالاستقرار والأمان الذي فقدناه، حيث أسترجع دائماً الأيام الصعبة التي عشناها تحت وطأة الخوف والحصار، ولكن بعد وصولنا إلى مدينة الأتارب وجدنا أهلاً وأخوة يشعرون بمعاناتنا، ويحاولون أن يبعدوا عن نفوسنا الحزن والوحشة .”

ألحقت سطوة الحرب بالنساء السوريات جراحات نفسية عميقة، فلا زلن يتجرعن في كل يوم التهجير وفقدان المقربين، لذلك يحاول القائمون على مبادرة طبخة وحكاية جمع النساء المهجرات لمشاركة قصصهن وتجاربهن في الحياة، والخروج بعيداً عن أجواء الحرب، دون أن تنسى كل منهن بلدتها التي أودعتها آلامها وآمالها  قبل الرحيل .