صناعة الفخار والخزف تعود الى الواجهة
وعادت أواني الفخار إلى المائدة السورية تصوير ماهر العمر
روعة الحسنة (35 عاما) ترصف الأواني الفخارية بشكل متناسق وجميل في مطبخها، فهي لا تستطيع أن تستغني عن هذه الأدوات، “الفخار يحافظ على الحرارة كما أنه يضيف طعما رئعا للغذاء” كما تقول.
صناعة الفخار والخزف من الصناعات القديمة التي اشتهر بها ريف إدلب، وتعود اليوم الى الواجهة بعد شبه توقف خلال السنوات الأخيرة من عمر الثورة، غير أن الحاجة اليها في زمن الثورة اصبح كبيراً، نظراً لانقطاع التيار الكهربائي وحاجة الناس لأواني تحفظ أغذيتهم من التلف.
روعة الحسنة تصرّ على “شرب الماء من الأواني الفخارية صيفاً وشتاءً، فالفخار يتمتع بفوائد كبيرة وهو لاينقل الأمراض كالأواني التقليدية بل يقي من الأمراض، حيث أنه يسحب جزيئات الترسيب، ويقتل البكتيريا، ويصفي الماء من الشوائب، كما أنه علاج للكلى”.
صاحب أحد معامل الفخار والخزف في منطقة أرمناز التابعة لريف إدلب محمد الجبرة (45 عاماً) يقول “تعتبر أرمناز من أشهر مناطق سوريا عموماً وإدلب خصوصا بالفخار، وذلك نظراً لجودة تربتها ذات المواصفات المناسبة لهذه الصناعة”.
ويضيف متحدثا عن طريقة صناعة الفخار بأنها تبدأ بإحضار التراب من الأراضي التي يجرفها أصحابها للقيام بمشروع ما كالبناء وغيره، وبعد جلب التراب تبدأ عملية نخله داخل المعمل لفرز الحصى والشوائب عن المادة الخام. ثم يبدأ العجن وتقسم العجينة الى عدة أجزاء.
ويوضح الجبرة “نزن كل قطعة بحسب ما سيتم صناعته، ثم مرحلة الصقل على آلة وتدعى الدولاب. وخلال هذه العملية يقوم العمال في المعمل بصنع أشكال متنوعة ليتم عرضها على درجات حرارة كبيرة بالفرن، ثم يتم تلوين الأدوات لتصبح جاهزة للبيع”.
معمل الجبرة ينتج أشكالاً متعددة، منها خوابي كبيرة لحفظ الزيت والماء، وكذلك كؤوس متنوعة تستخدم للشرب، بالإضافة لأنواع أخرى ومنها المزهريات والفخاريات المخصصة للمزروعات المنزلية والأباريق والمسخنة وغيرها. وأيضا يهتم الجبرة بصناعة خزفيات تستخدم للزينة وهي تعتبر أغلى ثمنا من الفخار ولكنها أقل طلباً في الوقت الحالي “نظراً لبحث الأهالي عن الأساسيات واستغنائهم عن الكماليات”.
معمل الجبرة كان يصدر منتجاته الى دمشق وحلب وإدلب واللاذقية ومختلف المحافظات السورية، غير أنه اليوم يلقى عوائق عديدة نتيجة انتشار الحواجز الأمنية على الطرقات. يقول الجبرة “هم يصادرون أحياناً منتوجاتنا، أو نضطر لدفع مبالغ كبيرة للسماح بمرورها. ولهذا السبب بتنا نتعامل مع تجار يدفعون لنا سلفاً، ويحددون لنا الكمية والنوع الذي يحتاجونه ونقوم بتصنيعه لهم دون أن يكون لنا علاقة بإيصاله لأي مكان، فالتاجر يتكفل بنقله الى المكان الذي يريد”.
هذه التجارة تعود على الجبرة بأرباح لا بأس بها مما يسمح له بشراء المواد الخام، وتشغيل العديد من الأيدي العاملة.
هذه الصناعة لا تقتصر على معمل الجبرة وإنما هنالك أكثر من 25 معملاً للفخار والخزف موزعة في إدلب وريفها بحسب الجبرة.
يغمل حسام الشلح (25 عاماً) في أحد معامل الفخار منذ أكثر من ثلاث سنوات. وهو يعبر عن حبه لعمله قائلاً “ان العمل في صناعة الفخار والخزف يعتمد على أيدي فنية، تجيد التعامل مع عجينة الفخار الناعمة محولة إياها الى تحف وأشكال جميلة”. ويذكر الشلح بأن ما يتقاضاه من عمله يكفيه مع عائلته المؤلفة من والده ووالدته وأختيه.
بات مشهد عرض الأواني الفخارية في الأسواق والمحال التجارية أمر اعتياديا، ولوهلة ما يشعر المتجول في أسواق ريف إدلب بأنه عاد للعصور الوسطى حيث يتصدر الفخار قائمة الأواني المنزلية.
محمد السبع (36 عاماً) يعمل تاجراً وبائعاً متجولاً للأواني الفخارية، يقول لحكايات سوريا “قبل الثورة كان البيع والطلب خفيف على هذه المادة، ولكن بعد قيام الثورة أصبح الطلب كبيراً، حيث أصبحت أبيع كميات كبيرة ويطلب مني أصناف مختلفة لاسيما الخوابي الكبيرة المخصصة لحفظ الماء والزيت”. ويرجع السبع إقبال الناس على شراء الفخار الى حاجتهم للمياه الباردة مع قدوم فصل الصيف. فالفخار يعتبر حافظا للبرودة لأنه يبرد على الهواء.
أم سالم (40 عاماً) إحدى المهتمات بشراء الأواني الفخارية لمنزلها تقول “أحب استخدام الأواني الفخارية وخاصة في شهر رمضان، لأنه يعطي المأكولات والمشروبات نكهة خاصة. فهو تراث قديم وله فوائد متعددة ويعيدنا لزمن أجدادنا الذين كانوا أكثر استخداما لهذه المادة”.
وتشتهر بعض النساء في ريف إدلب بمهارة صناعة الفخار ولا سيما التنور الذي يستخدم للخبز، ومن هؤلاء النسوة الحاجة فاطمة الخمسينية التي تقوم بصناعة أنواع مختلفة من التنور وبيعها. تقول الحاجة فاطمة “انا اعمل في هذا المجال منذ أكثر من عشرين عاماً، والكثيرون حتى يومنا هذا يهتمون بصناعة خبز التنور اللذيذ والمشهور في مناطقنا، ولقد زاد الاهتمام بالتنور مع قيام الثورة السورية نتيجة انقطاع الخبز عن مناطق ريف إدلب في معظم الأحيان”.
الحاجة فاطمة تقوم بشكل فردي بجلب نوع مخصص من التراب يسمى الحال، وتنخله ثم تعجنه مع خيوط تسمى الخيش. ثم تبدأ بصناعة التنور الذي يأخذ شكل وعاء كبير الحجم. وتجففه تحت أشعة الشمس وتبيعه على هذا الشكل، بينما يقوم الزبائن بتركيبه في زاوية من منزلهم و”يفخّرونه” أي أنهم يشعلون نارا بداخله، حتى يتم تفخير التنور ويصبح جاهزاً للاستخدام .
هذه الصناعة تعتاش منها الحاجة فاطمة وهي مربحة وقليلة التكاليف .
أسماء الخلف (36 عاماً) اشترت التنور فهو مفضل بالنسبة لها ولعائلتها. وتقول لحكايات سوريا “بوجود التنور في منزلنا لم نشعر بانقطاع مادة الخبز عن المناطق المحررة في أوقات عديدة، فقد كنت أخزن دائما كميات من الدقيق في المنزل وأصنع منها الخبز على التنور عند الحاجة”.
وأمام ما تعانيه البلاد من أوضاع اقتصادية ومعيشية متردية، ظهرت حركة دؤوبة من قبل أرباب العمل لإعادة تنشيط إنتاج الفخار والخزف في ريف إدلب، لسد الفجوة الناجمة عن نقص موارد حفظ الأغذية، ولتأهيل الموارد البشرية والاستفادة من خامات البيئة وتلبية بعض الإحتياجات.