رحمة قرية سكنية لإيواء النازحين

أبو عبدالله (45 عاماً) نزح مع أسرته من بلدة كفرنبودة في ريف حماه الشمالي، بعد تعرضها لعشرات الغارات الجوية، ما أدّى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى. عبدالله لم يكن وحده من نزح مع عائلته بل هي حال الآلاف من المدنيين الذين غادروا نحو قرى ريف إدلب الجنوبي، التي تعد أكثر أمناً لابتعادها عن خطوط التماس مع قوات النظام .

يقول أبو عبدالله: “أمام الحملة الشرسة التي شنَّها الطيران الروسي وقوات النظام على ريف حماه الشمالي لم يبقَ أمامنا من خيار سوى ترك منازلنا خوفاً على حياة أطفالنا”.ويتحدّث أبو عبدالله عن محاولة قوات النظام  اقتحام البلدة والسيطرة عليها وسط معارك عنيفة مع الجيش الحر.

قرية رحمة السكنية ملاذ النازحين تصوير أحمد السليم

ويضيف أبو عبد الله: “انتقلنا للعيش في خيمة صغيرة عند الحدود السورية التركية، ولكنَّ ظروف الحياة القاسية، خاصةً في فصل الشتاء، لم تسمح لنا بالبقاء هناك طويلاً”.وأوضح أنه ترك المخيم وذهب للعيش في ريف إدلب الجنوبي، حيث حصل على شقة في “قرية الرحمة السكنية“،تتألف من غرفة ومطبخ وحمام. وذلك بعد تسجيل اسمه ضمن العائلات التي لا تملك مأوى.

يستهدف مشروع ” قرية رحمة السكنية” بناء نحو 7 كتل سكنية، في كل كتلة 3 طوابق، ويوجد في كل طابق 8 شقق، بالإضافة إلى 100 غرفة مستقلة، حيث يستفيد من هذا المشروع ما يُقارب الـ250 عائلة .

عمر الداني (51عاماً)المسؤول العام عن المشروع يقول: “تم إنشاء هذه الأبنية لإيواء الأسر النازحة، التي لم يعد لديها مأوى، وخاصةً نازحي ريف حماه الشمالي، وريف حلب الشمالي، وريف اللاذقية،وذلك تحت إشراف جمعية الرحمة العالمية (جمعية الإصلاح الاجتماعي)، وتنفيذ جمعية الوفاء للإغاثة والتنمية“.

ويضيف الداني: “أن الهدف الأهم من هذا المشروع هو تأمين حياة أفضل للنازحين، خاصةً في فصل الشتاء شديد البرودة، وفصل الصيف الحار.إذ أنه سيأوي المشروع عدداً من العائلات التي كانت تعيش في خيم عشوائية ممزقة، وسيتم إيواء هذه العائلات على دفعات “.

وبحسب الداني “تجاوزت تكلفة المشروع 400 ألف دولار أميركي، وذلك بعد الانتهاء منه بشكل كامل، ومن جهة أخرى تم تقديم مئات الطلبات من قبل النازحين، حيث يتم اختيار العائلات الأكثر عوزاً وفقراً من الذين لا يملكون مأوىً في هذه القرية “.

من جهته يقول عبد الله الكنجو أحد عاملي البناء في القرية السكنية: “هذا المشروع وفّر أكثر 100 فرصة عمل لعشرات الشبان العاطلين عن العمل منذ وقت طويل بسبب ظروف الحرب، حيث أنه يحتاج لعدد كبير من ورشات البناء والتجهيزات المنزلية و في كافة المجالات” .

وأضاف الكنجو: “مساحة الأرض التي تم بناء الشقق السكنية عليها لا تسمح ببناء حدائق وملاعب للأطفال، ولكنها اقتصرت على فسحة تضم عدداً من الأشجار التي تم زرعها مؤخراً أمام الأبنية،  حيث يمكن للنازحين الخروج إليها والتنزه قليلاً”.

وأوضح الكنجو: “أن المشروع لا يحتوي على محلات تجارية أو أسواق شعبية لأنها موجودة داخل قرى حاس و كفرومة  بريف إدلب الجنوبي، حيث يستطيع النازحون جلب حاجياتهم من المحالات التجارية في القرى بسبب قربها الشديد من القرية السكنية ” .

أم ياسين (39 عاماً) أرملة وأم لأربعة أطفال، نزحت مع أطفالها من مخيم أوبين في ريف اللاذقية بعد قصفه من قبل مدفعية النظام واحتراق عدد كبير من الخيم بسبب المعارك المتواصلة بين قوات النظام وفصائل الجيش الحر في تلك المنطقة، بحسب ما ذكرت. وتقول أم ياسين: “فقدت زوجي الذي كان يقاتل مع الجيش الحر،في إحدى المعارك مع قوات النظام، الأمر الذي أجبرني على النزوح إلى مخيمات ريف اللاذقية،لعدم وجود المعيل واستمرار القصف المكثف على قرى ريف اللاذقية، وبعد قصف المخيم بِتنا بلا مأوى نعيش في العراء” .

وذكرت أم ياسين أنها قدّمت طلباً من أجل الحصول على شقة سكنية في قرية الرحمة، وقد تمَّ قبول طلبها. حيث ستجد الراحة والأمان والمسكن المناسب، كما عبَّرت عن سعادتها بهذا المشروع، وتمنَّت أن يتم مساعدتها عبر توفير المواد الإغاثية من أجل إعانتها على تحمل أعباء المعيشة.

تعرّضت المنطقة المحيطة بالقرية السكينة للقصف ما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى، الأمر الذي أدى إلى تضرر المرافق العامة التابعة للقرية السكنية ونزوح عدد من السكان.

عباس الكامل رئيس المجلس المحلي في بلدة جاس يعتقد:”أنه هدف هذا القصف والاستهداف الممنهج لتلك القرى هوعدم إيجاد مأوى جيد للنازحين، وإجبارهم على النزوح مرة أخرى إلى المخيمات الحدودية في ظل الظروف الصعبة التي يواجهونها بعد نزوحهم المتكرر من قراهم”.

ودعا الكامل: “جميع المنظمات الإنسانية إلى إدانة هذا الاستهداف،والمطالبة بتحييد العمل الإنساني عن القصف وخصوصاً قرى النازحين السكنية، والتي تخلو من أي مظاهر عسكرية قد يضعها النظام حجة لقصف تلك القرى”.

وقال الكامل: “نحن ندعم عمل المنظمات الإنسانية،ونتعاون معهم في مثل هذه المشاريع،التي تعود بالنفع على النازحين الفقراء بالدرجة الأولى. والتي من شأنها التخفيف من معاناتهم في مناطق الصراع” .

ويُذكر أنَّ عدة منظمات إغاثية وإنسانية قامت ببناء العديد من القرى السكنية، منها القرية الطينية التي بناها الهلال الأحمر القطري في بلدة آفس في ريف إدلب، والتي تعرضت للقصف ما أدى إلى مقتل 8 أشخاص وعشرات الجرحى من النازحين، وتضرر أجزاء واسعة من القرية الطينية.