دار لرعاية الحالات الخاصة في إدلب

دار الوعلان لرعاية الحالات الخاصة تصوير دارين حسن

دار الوعلان لرعاية الحالات الخاصة تصوير دارين حسن

دار الوعلان لرعاية الحالات الخاصة فتحت أبوابها لاستقبال الآباء والأمهات والأيتام الذين لم يجدوا من يحضنهم بعدما أدت الحرب إلى مقتل العديد من الأبناء أو سجنهم أو هجرتهم بعيدا عن الوطن.

في مدينة الدانا في ريف إدلب الشمالي بدأت دار الوعلان لرعاية الحالات الخاصة عمله، أما اسمها فهو نسبة لعائلة محمد الوعلان الكويتية التي تدعم الدار التي تعد الأولى في مناطق سيطرة المعارضة التي تأوي المحتاجين ولا سيّما كبار السن والمصابين من المدنيين.

صالح الحمد ( 32عاماً) المسؤول عن الدار يقول: “افتُتحَ الدار في 15 شباط/فبراير2017 ليكون المشروع الأول من نوعه في المناطق المحرّرة لاستقبال كبار السن والأيتام ومُصابي الحرب من المدنيين… ونأمل أن يستوعب الدار مستقبلاً 75 حالة تقريباً، أمّا اليوم فهو يستقبل32 محتاجاً”.

عن الخدمات التي يقدّمها الدار يشير الحمد لحكايات سوريا: “نقدّم للنزلاء المسكن والطعام والرعاية الصحية، إضافةً إلى ما نسميه بالجولات الترفيهية خارج الدار. أمّا بالنسبة للحالات المرضية في الدار ولا سيّما مصابي الحرب المدنيين، فنقومُ بنقل هذه الحالات إلى المشافي ونتابع أمور المريض في رحلة علاجه حتى يتعافى ويعود إلى الدار مجدداً… كما نؤمّن خدمات العلاج الفيزيائي والعلاج النفسي، ويتم التواصل مع المنظمات المختصة لتأمين الأطراف الاصطناعية اللازمة”.

ويضيف أبو عامر وهو لقب صالح الحمد: “لاحظنا أنَّ النزلاء سرعان ما يتأقلمون في الدار ويعتادون عليه، ذلك لأنهُ عبارة عن شقق سكنية، حيثُ يتألّف من ثلاث طبقات، يحتوي كل منها على أربع شقق وكل شقة فيها ثلاث غرف. بعضها مخصَّص للنوم وأُخرى بمثابة قاعات للجلوس وأخرى للطعام، وجميعها مجهّزة بشكلٍ كامل كما لو أنها منزل حقيقي كي لا يشعر النزلاء بغربةٍ عن منازلهم”.

من ناحية أُخرى، يتحدّث أبو عامر عن العاملين في الدار فيقول: “عدد العاملين في الدار هو 11 عاملاً بين مختص بخدمة النزلاء وعاملات الطبخ والغسيل، إضافةً إلى طبيب عام وسائق سيارة عادية وسائق سيارة الإسعاف”.

ويصف أبو عامر العاملين بأنّهم صنّاع حياة، يعملون بجدٍّ ونشاط بكلِّ ضمير لتأمين جميع مستلزمات ذوي الحاجة، كما يعملون على كسر الروتين في حياة النزلاء، ويجهدون لإبعادهم عن الحزن وتذكّر الماضي ليعيشوا يومهم ومستقبلهم بأملٍ.

ويُلفت أبو عامر إلى أنهُ يوجد لجنة لتقييم الحالات التي يتم استقبالها، حيثُ لا يُسمح بأن يجلب الأبناء أهاليهم إلى الدار، فهوَ يستقبل فقط مَن ليس لهم أبناء. سواء سافروا أو قُتلوا أو اعتُقلوا، وذلك كي لا يتسبّب الدار بشرخ داخل العائلات ولأولوية حالات الأهالي الذين لا يوجد لهم معيل.

أبو أديب 29) عاماً( أحد موظفي الدار، يقول لحكايات سوريا: “أقوم بالاهتمام بالمسنّين فهم ثروتنا ونحنُ نتعلّم منهم، لذا نتعامل معهم في دار الوعلان بكلّ رحمة ومودة واحترام وصبر، ونراعي حاجتهم للرعاية الخاصة ولسماع الكلمة الطيبة. كما نقدّم للنزلاء عموماً غذاءً متنوّعاً ومتوازناً للحفاظ على صحتهم، أمّا المرضى فنتّبع معهم نظاماً غذائياً يناسبهم”.

وباعتبار أنَّ الدار يركّز على استقبال كبار السن ممن فقدوا المعيل، فقد التقى موقعنا ببعضٍ منهم.

أبو أيمن 72) عاماً (من مدينة إدلب، تدهورت صحته وترك الدهر بصماته الواضحة على وجهه، قصدَ دار الوعلان فيحدّثنا عن تجربته قائلاً: “أشعرُ بالحزن دوماً لفراق أولادي، فهم أغلى ما أملك بعد أن أفنيت شبابي وقدّمته لهم، لكنهم هاجروا إلى الدول الأوروبية وتركوني هنا أفتقد في غيابهم لدفء العائلة وأُلفتها. لكنني وجدت في الدار ضالتي فهم هنا يوفّرون لنا كافة الاحتياجات”.

أمّا أم أكرم 65)عاماً) التي لا ينقطع لسانها عن التسبيح، تخفي خلف عدسات نظاراتها عينَين دامعتين حينَ تروي لحكايات سوريا عن سبب مجيئها إلى الدار بالقول: “كنتُ أعيش مع أولادي الثلاثة، لكنّ ابنتي هاجرت مع زوجها وأولادها إلى الأردن في بداية الثورة…

ولا تنتهي مأساة أم أكرم هنا بل تضيف “فُجعت باعتقال ولدي أكرم من قبل عناصر النظام أثناء ذهابه إلى جامعته في مدينة حمص، ليبقى لي فقط إبني محمد. لكنَّهُ تركني أيضاً دون عودة! فقد قرَّرَ الانتساب إلى الجيش الحر وكان يخرج باستمرار مع رفاقه إلى ساحات المعارك، لكنّ الخبر الذي لطالما خشيت من سماعه قد وصلني فعلاً… فقدتُ محمد وظللتُ وحيدة بين آلام الوحدة والفاجعة والحاجة”.

لم تستسلم فأم أكرم بل بدأت ببيع الملابس المستعملة في الأسواق لتؤمّن حاجياتها… حتى منعها المرض من الاستمرار في العمل. وتقول “وجدت في القدوم إلى الدار حلاً يخلّصني من الوحدة القاتلة والذكريات التي لا تغيب عني أبداً وفي آن أجد مَن يُعيلني… لذا أشكر العاملين في دار الوعلان الذين يعاملوننا بمحبة دون أن يقصّروا تجاهنا بأيِّ شيء”.

أبو يوسف (60 عاماً) من مدينة حلب وجد في الدار الملاذ الآمن بعد سنوات البؤس والعذاب التي عاشها في سجون النظام. يقول أبو يوسف لموقعنا: “قضيتُ أربع سنوات في الإعتقال وسط التعذيب الوحشي الذي أدّى بي إلى فقدان بصري وإطفاء نور الحياة من عيني… وبعدما تمَّ الإفراج عني ظننت أنَّ معاناتي قد انتهت، لأتفاجأ بفاجعة أكبر بعد ذهابي إلى منزلي بحثاً عن عائلتي وأولادي الذين اشتقت إليهم كثيراً، فأُصدَم بأنَّ برميلاً متفجراً من طائرات النظام قد سقط فوق المبنى الذي نسكن فيه، ما أودى بحياة 17 شخصاً من بينهم أفراد عائلتي جميعاً.”

يصمُتُ أبو يوسف قليلاً محاولاً عدم البكاء، ثمًّ يستكمل: “وبعدها نصحني بعض أقربائئ بعدم البقاء في حلب وبأنّهُ عليَّ التوجّه إلى المناطق المحرّرة خوفاً من اعتقالي ثانيةً… فقصدتُ دار الوعلان في نهاية المطاف ووجدتُ فيه مستقرّي”.

عندما تدخل إلى دار الوعلان لرعاية الحالات الخاصة، وتلتقي بالمسنين ومصابي الحرب وتتلمّس الظروف القاسية التي أجبرتهم على دخول الدار، ستشاهد وجوهاً كساها الحزن والانكسار… ولكنها تحظى بالعناية والاهتمام بوجود مَن يجبر الخواطر، ودار الوعلان تجربة رائدة في ذلك.