تلفزيون الحارة المتنقل عودة إلى زمن صندوق الفرجة

تلفزيون الحارة يعيد البسمة إلى وجوه الأطفال وأهاليهم تصوير سونيا العلي

تلفزيون الحارة يعيد البسمة إلى وجوه الأطفال وأهاليهم تصوير سونيا العلي

يجلس الأخوان أحمد وسمر أمام باب منزلهما. ينتظران بلهفة وصول ذلك اللوح الخشبي الكبير الذي يقف خلفه ممثلون يقدمون عروضا ًمسرحية للأطفال. وما إن يصل إلى الحي حتى يركضا فرحين يتردد صدى ضحكاتهما البريئة، لينضما إلى أقرانهما في متابعة العروض والمسرحيات الشيقة.
تلفزيون الحارة مبادرة أطلقها تجمع شباب سراقب لتقديم نشاطات متنوعة عروض مسرحية ثقافية وترفيهية هادفة للأطفال في إدلب وريفها. وتهدف العروض هذه إلى زرع الابتسامة على شفاه الأطفال وإدخال الفرح إلى قلوبهم الصغيرة البريئة بعد أن حرمتهم الحرب من حقوق طفولتهم.
وليد أبو راشد (25 عاماً) من مدينة سراقب أحد القائمين على العروض يقول لحكايات سوريا: “بأدوات بسيطة وكثير من المحبة أقيم مع رفاقي عروضنا المسرحية في مدينة إدلب وريفها. بدأنا عملنا عام 2006 وحتى بعد اندلاع الثورة لم نتوقف عن عملنا بهدف الترويح عن الأطفال”.
ويضيف أبو راشد: “عروضنا تفاعلية نقوم خلالها بارتداء ملابس شخصيات كرتونية أو حيوانات من الغابة إضافة إلى مسرح الدمى والعرائس، ونجعل الدمى تحكي للأطفال قصصاً فكاهية مسلية. عملنا اقتصر بداية على زيارة المدارس ومراكز التأهيل النفسي ودور الأيتام ولكن الفرح الذي وجدناه عند الأطفال وإقبالهم على المسرحيات وتشجيع الأهالي دفعنا إلى تقديم العروض في الشوارع ليتمكن جميع الأطفال من مشاهدتها”.
وعن سبب تسمية المسرح بتلفزيون الحارة يردف أبو راشد قائلاً: “ما إن رأى الأطفال اللوح الخشبي حتى أطلقوا عليه اسم تلفزيون. وبما أن عروضنا تقام في الحارات والأحياء وفق مواعيد أسبوعية، أطلقنا عليه تلفزيون الحارة فهو يستهوي الأطفال ويعجبهم أكثر من التلفاز الذي اعتادوا عليه وألفوه في منازلهم”. ويلفت أبو راشد إلى ظاهرة صندوق الفرجة التي كانت معروفة في زمن مضى، حيث كان الجد الأول للتلفزيون.
ويوضح أبو راشد أن فريق المسرح الجوال يقدم أيضاً الدعم النفسي والتعليمي للأطفال وخاصة المتسربين من المدارس تحت وطأة الحرب، في محاولة لتخفيف الألم والمعاناة التي يعيشونها، حيث يحاولون تقديم المعلومات العامة والمفيدة للأطفال عن طريق اللعب والمسابقات في أجواء من التنافس والحماس.
أحمد الخطاب (32 عاماً) من أعضاء فريق المسرح الجوال يتحدث لحكايات سوريا عن معايير اختيار القصص قائلاً: “نقوم بكتابة قصص المسرحيات التي تحفز تفكير الأطفال بما يتناسب مع شخصيات الدمى المتوافرة لدينا، ونختار القصص التي تتحدث عن الحب والسلام وتحمل أهدافاً وقيماً اجتماعية وتربوية، ونوصلها للأطفال بأسلوب فكاهي جذاب”.
ويؤكد الخطاب أن عروضهم تجذب الصغار كثيراً لما تحويه من عناصر إبداعية، كالأغاني والقصص المختارة بعناية وعرض الدمى المحببة مع المحافظة على التنويع، ليعيش الأطفال قصصاً جميلة ومفيدة دون ملل. أما الكبار فيتوجهون إليهم أيضاً بعروض خاصة تستمد موضوعاتها من الحياة اليومية المليئة بالمواقف والأفكار والقصص الإنسانية المحزنة، ولكن عرضها بأسلوب ساخر يجعل المشاهدين يبكون ويضحكون في آن واحد.
وعن اختيار أماكن العرض يقول الخطاب: “العائق الأبرز هو اختيار المكان الذي سنقيم فيه المسرحية. حيث يشعر أفراد الفريق بمسؤولية كبيرة خوفاً من القصف والحوادث، لذلك نحرص على اختيار الأماكن القريبة من الأقبية والملاجئ حرصاً على سلامة الأطفال”.
عمر المصطفى (42 عاماً) والد أحد الأطفال المواظبين على مشاهدة عروض المسرح المتجول يقول: “نجح تلفزيون الحارة لكونه وسيلة ترفيهية وتربوية أثرت في نفوس أطفالنا وساهمت في غرس القيم الإيجابية لديهم وأبعدتهم عن أجواء الحرب، كما كان أول مركز ترفيهي تعليمي متنقل في إدلب “.
ويضيف المصطفى واصفاً سعادة ولده محمد عند حضوره للعروض المسرحية: “يحب ولدي عروض الدمى وتغمره الفرحة والنشاط طوال اليوم، حيث يقلد حركاتهم ويردد كلماتهم ويعيد تمثيل المسرحيات مع أصدقائه “.
الطفلة روعة المحمود (8 أعوام) سرقت الحرب فرحتها كطفلة. الحرب دمرت أحلامها البريئة، فقدت قدميها جراء غارة جوية استهدفت مدينة سراقب، ليصبح الشقاء والألم عنواناً لحياتها البائسة وهي في عمر الزهور، لكن والدتها تجد في حضور الطفلة للمسرحيات والفعاليات فسحة أمل لإعادة الحيوية والتفاؤل والابتسامة إلى وجهها المتعب الذابل، كما تقول.
الطفل عدنان (12 عاماً) من قرية آفس في ريف إدلب يحاول أن ينهي عمله باكراً في ورشة لتصليح السيارات حتى لا تفوته العروض المسرحية عندما يزور الفريق قريته. وكشعلة من النشاط والحيوية يتوجه محمد إلى حيث المسرح ناسياً تعبه والواقع الصعب الذي فرض عليه. وعن ذلك يقول عدنان: “تزور الدمى قريتنا كل حين لتحكي لنا قصة جديدة وممتعة نتعايش معها كأنها حقيقة، لذلك أحرص على حضور الفعاليات مثل سائر أطفال القرية، ولأنني لا أريد أن أخسر عملي الذي أساعد به أسرتي. أنهي عملي باكراً في تنظيف الورشة وأستأذن من صاحب العمل قبل ذهابي “.

يختم أبو راشد كلامه قائلاً: “مشاهد القتل والدمار شريط يتجدد أمام أعين الأطفال السوريين كل يوم، والموت هو الحكاية التي تحكى على مسامعهم في البيت والشارع والمدرسة، لذلك أردنا من خلال مسرحنا الجوال أن نحتضن انتباه الأطفال، ونعيد إليهم ضحكاتهم البريئة وطفولتهم الضائعة في ويلات الحروب .”