تطوّعوا لإنقاذ البارة

عند الساعة الثامنة من مساء 23 حزيران/يونيو 2016، أغلقت معظم المحال التجارية في البلدة. وبدأ الناس يسرعون الخطى باتجاه منازلهم. معظم الإنارة في الشوارع والمنازل أطفئت. إنه موعد تساقط البراميل المتفجرة على البلدة. الجميع يترقب أي إشارة من المراصد المنتشرة في المنطقة، عن الاتجاه الذي تسلكه الطائرة المروحية التي أقلعت من مطار حماه العسكري. المراصد التي تتبع حركة الطائرة قالت إنها أصبحت فوق مدينة كفرنبل باتجاه الشمال. في الشمال بلدة البارة التي تتعرض في الآونة الأخيرة ويومياً عند المساء لحملة براميل متفجرة. وفي هذه الليلة تحديداً ألقت المروحية حمولتها وعادت إلى المطار، وأدت الحمولة وهي عبرة عن برميلين متفجرين إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى. وهو ما تكرر في الليلة التالية وأودى بحياة شخصين.

حملة البراميل المتفجرة استمرت أسبوعاً على بلدة البارة التي لا يتجاوز عدد سكانها 15 ألف نسمة بريف إدلب الجنوبي، ولعدم وجود مركز للدفاع المدني في البلدة، غالباً ما يستغرق فريق الإنقاذ ما يقارب الربع ساعة للوصول من المركز الموجود في مدينة كفرنبل. وهذه المدة كفيلة بلفظ شخص ما علق تحت الأنقاض آخر أنفاسه.

هذا الواقع دفع مجموعة من ناشطي وأهالي بلدة البارة إلى تشكيل فريق تطوعي أسموه “فرقة إنقاذ البارة“، ومهمته الأساسية إنقاذ الناس بسرعة أكبر.

مدير فرقة إنقاذ البارة محمد أمين الفرج (35 عاماً) يقول “إن السبب الرئيسي لإنشاء هذه الفرقة هو المدة الزمنية التي تستغرق فرق الدفاع في كل من مدينة كفرنبل وبلدة بليون المجاورتين للوصول إلى بلدة البارة، ويعتبر أنه في هذه المدة يمكن أن تنقذ الفرقة أحداً ما بحاجة للمساعدة. وعلى الرغم من إنشاء فرقة إنقاذ البارة إلا أنها لا تعتبر بديلاً عن مراكز الدفاع المدني الموجودة في كفرنبل وبليون. وبحسب الفرج: “أن مهمة الفرقة ليست القيام بكل العمل وحدها لعدم امتلاك المعدات اللازمة، وإنما تقوم الفرقة بجزء من العمل ريثما تصل فرق الدفاع المدني”.

عدد المتطوعين في فرقة إنقاذ البارة بلغ 63 متطوعاً، تم توزيعهم ضمن مجموعات، وعلى رأس كل مجموعة قائد. المسؤول الإداري في الفرقة أحمد علان يقول: “على الرغم من أن الفرقة تضم متطوعين بشكل رئيسي، إلا أننا حرصنا على أن تتمتع ببنية تنظيمية، حيث يتوزع المتطوعون على سبع مجموعات، وتتألف كل مجموعة من قائد وعدد من المتطوعين، وكل مجموعة تتولى مهمة الإنقاذ لمدة يوم كامل”.

لا تملك فرقة إنقاذ البارة المعدات اللازمة للقيام بعمل الإنقاذ، إلا أن بعض المتطوعين في الفرقة وضعوا معداتهم الخاصة تحت تصرف الفرقة. رفيق مجموعا (42 عا

المتطوعون في بلدة البارة شبان يعملون على إنقاذ أهل البلدة الصورة من صفحة الفريق على فايسبوك.
المتطوعون في بلدة البارة شبان يعملون على إنقاذ أهل البلدة الصورة من صفحة الفريق على فايسبوك.

ماً) أحد المتطوعين في الفرقة يقول إنه وضع جراره الزراعي الذي يجر صهريج ماء في خدمة الفرقة، وفي حال حدوث حرائق إثر القصف يتوجه بصهريجه لإطفاء الحريق.

مجموعا ليس الوحيد الذي وضع معداته الخاصة في خدمة الفرقة، حيث أصبحت الفرقة تمتلك أربعة صهاريج مياه، ويخرج كل صهريج مع المجموعة المناوبة. كما تبرع أحد الأهالي فضل عدم ذكر اسمه بالأقمشة التي ستفصل لتصبح زياً موحداً للفرقة، بينما يتكفل بعض المتطوعين بالمعدات الخفيفة كالفؤوس المعدنية والرفوش، ومعدات لقطع الحديد.

لا تعمل فرقة إنقاذ البارة بشكل مهني، وتعتمد بشكل أساسي على المتطوعين الذين لم يخضعوا لأي دورة تدريبية في الإنقاذ، أو الإسعافات الأولية، لذلك يأمل محمد أمين الفرج مدير الفرقة أن يحصل عناصر الفرقة على دورات تدريبية لدى الدفاع المدني الموجود في الداخل، كمركز الدفاع المدني في كفرنبل أو بليون. بينما يقول المسؤول الإداري في الفرقة أحمد علان إن الفرقة تسعى لتلقي دورات تدريبية بالإنقاذ والإسعاف في تركيا.

لا يقتصر عمل فرقة إنقاذ البارة على إنقاذ حياة الناس، بل تتوجه أيضاً للعمل الخدمي من تنظيف وترميم الحفر في الشوارع، وإطفاء الحرائق التي تندلع في الأحراش الزراعية، ويعتبر العلان أن هذا العمل تقوم به الفرقة عندما لا يكون هناك قصف من الطائرات، وهو أمر طبيعي، “تطوعنا لخدمة البلدة، سنقوم بكل ما يلزم لخدمتها”.

لاقت الفرقة التطوعية التي تعتبر الأولى من نوعها في بلدة البارة ترحيباً كبيراً من قبل الأهالي، حيث يعتبر أحمد نجيب (25 عاماً) أن البلدة التي تتعرض كغيرها للقصف من قبل طائرات نظام الأسد بحاجة ماسة لفرقة الإنقاذ، لأن البلدة لا يوجد فيها مركز للدفاع المدني، وعند القصف يجب أن يكون هناك سرعة في الوصول للناس الذين تعرضوا للقصف، “كل دقيقة وأنت تحت الأنقاض تمر عليك وكأنها دهر كامل”.

إبراهيم جراد (26عاماً) يوافق أحمد في كل ما تحدث عنه، ويضيف “هناك أهمية كبيرة لإنقاذ حياة إنسان حشر تحت الأنقاض، وهناك أيضاً أهمية أخرى تكمن في العمل التطوعي، ففرقة إنقاذ البارة تشجع على العمل بروح الفريق، وتمهد الطريق لفتح مشاريع تطوعية أخرى في البلدة أو حتى خارج البلدة، أتمنى أن تنتقل العدوى لكل إدلب وريفها”.

بدورها أم سليم (52 عاماً) تتوجه بالشكر لكل أعضاء الفرقة وتلفت إلى إنها دفعت بأحد أولادها للتطوع في الفرقة، وإنها لو كانت تملك القوة لتطوعت بنفسها في الفرقة أيضاً.