تربية الطيور في إدلب من هواية إلى مصدر رزق
أقفاص خشبية كبيرة لعرض الطيور أمام الشراة تصوير دارين حسن
"سيطلق سراح عصفوره حين يحصل الشعب السوري على حريته المفقودة"
أبو جمال (29 عاماً) يصحو باكراً على الزقزقة والتغاريد. يمضي إلى حظيرة الطيور التي يربيها في منزله، حاملاً إناءً مليئاً بالحبوب حيث يطعمها ويتفقد أحوالها ويحيطها بكل رعاية وعناية. تربية الطيور لم تعد مجرد هواية بهدف التسلية عند معظم الشبان في إدلب وريفها. بل تحولت إلى مصدر دخل بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية وتفشي البطالة وغياب فرص العمل.
يقول أبو جمال: “بدأت بتربية الطيور كهاو، ولكن منذ ثلاث سنوات وبسبب ندرة الأعمال أصبحت مربياً وتاجراً في هذا المضمار. خصصت غرفة صغيرة في منزلي لتربية عدة أنواع من الطيور. كانت البداية بشراء وبيع القليل منها، ثم بدأت أتعرف على التجار والمربين، ونتبادل التجارة في ما بيننا. فوسعت العمل وعمدت إلى بناء حظائر جديدة على سطح المنزل”.
أبو جمال يعتبر أن “تربية الطيور مهنة تحتاج إلى الصبر والمتابعة، من خلال عرضها على طبيب بيطري بشكل دائم، والخبرة ضرورية في التعامل مع هذه الأرواح، كما تعتبر تربيتها مغامرة إلى حد ما لأن التاجر قد يتعرض للخسارة أحياناً بفعل الأمراض التي تصيب الطيور في حالات تقلبات الطقس. كما أن ارتفاع الحرارة يعتبر المسبب الرئيسي لنفوق هذه الطيور” .
عابد التناري (32 عاماً) يملك متجراً لبيع الطيور والأسماك يقول: “لاقت تربية الطيور رواجاً واسعاً في المناطق المحررة، فهي تبدأ بهواية للاستمتاع بالمنظر الجميل والصوت الطروب، ثم ما تلبث أن تتحول إلى مهنة رابحة، حيث يكون الربح من خلال عملية التفريخ والتكاثر، وتعتبر طيور الزينة المغردة أكثر طلباً، مثل الكناري والحسون اللذين يحتلان المرتبة الأولى. إضافة إلى الطيور الناطقة كالببغاوات، حيث يحدد سعر الطائر بحسب ألوانه وألحانه، وعدد الكلمات التي يحفظها”.
ويلفت التناري إلى انتشار مصطلح اقتصاد العصافير، وهو يضم بعض الأعمال المكملة لتربيتها وكل ما تحتاجه الطيور من أقفاص وإكسسوارات وطعام وأدوية وفيتامينات. فهذه الطيور ويسمونها بطيور الزينة، تحتاج إلى طعام خاص مثل لب عباد الشمس والشوفان وبذور القنب والكتان والسمسم. أما بالنسبة للحمام فطعامه متنوع كالذرة والشعير والعدس والخبز المطحون. ويشدد التناري على أهمية النظافة اليومية والمتابعة الصحية، وضرورة أن يتم تخصيص دفتر لكل طائر يدون فيه وضعه الصحي ونسله وتهجينه.
ويعمد بعض الناس إلى شراء طيور الزينة لأنهم يجدون في تربيتها داخل منازلهم ما يشغل النظر ويبهج الروح فهي الأكثر تفاعلاً مع النور، وكلما عايشها الإنسان يرى صوراً جديدة للحياة .
وفي الحديث عن أسماك الزينة يعتبر التناري “أن تربيتها لاقت رواجاً أيضاً، وخاصة بعد أن أصبح الكثير من الناس يعمدون إلى تربيتها في منازلهم رغبة منهم في إضفاء جو من المرح والسعادة على حياة الأطفال الصغار الذين نغصت الحرب عليهم سعادتهم”.
أبو حذيفة ( 37عاماً ) من قرية خان السبل يقول: “تغريد كنار وزقزقة عصافير هي فرصة للاستمتاع بجمال فريد وصوت عذب، فلحن الطيور وتغاريدها تؤنس الوحدة وإعلان جميل عن قدوم الصباح، كما أنها تضفي جانباً من السعادة على حياتنا التي باتت تعيسة بسبب الحرب. وخاصة بالنسبة لأولادي الذين لم نعد نسمح لهم بمغادرة المنزل بسبب انعدام الأمان”.
كمال الصبوح (29 عاماً) من ريف إدلب يقيم في أحد المخيمات الحدودية، يقول: “نزحت بسبب اشتداد المعارك، وقد قمت باصطحاب طيوري معي، فأنا أربيها منذ أعوام وأجد فيها هواية مسلية تنسيني الواقع المرير الذي يحيط بنا. كما أنها تؤمن لنا عائداً مادياً مقبولاً، فأنا أقوم بين الحين والآخر بإدخال بعض الأنواع إلى تركيا، حيث تعتبر مدينة كلس الحدودية مركزاً يقصده التجار من كل المدن التركية لتسوق الطيور المهربة من الداخل السوري”.
ولكن أبو كمال يعاني مثل سائر سكان المخيم من الحرارة المرتفعة في فصل الصيف داخل خيمته التي لا تحميه وأسرته من تقلبات الطبيعة، مما يؤثر على طيوره أيضاً، حيث يفقد الطير مع ارتفاع الحرارة المحيطة شهيته لتناول الغذاء وعند ذلك تكون مناعته في أضعف درجاتها.
أبو عدنان (45 عاماً) يمتلك مزرعة صغيرة على أطراف مدينة معرة النعمان يربي فيها أنواعاً مختلفة من الطيور (جارحة- حمام-عصافير الزينة) كما يربي القطط والكلاب، إضافة إلى الأغنام، يحدثنا عن ذلك قائلاً: “لقد أصبحت تربية كلاب الحراسة ضرورة في هذه الأيام بسبب انعدام الأمان، وكثرة حوادث السرقات، لذلك فإن الكلاب تنبهني بنباحها إلى كل قادم غريب، أما الطيور فلم تستطع نيران الحرب أن تثنيني عن مزاولة هذه الهواية التي أحبها”.
الطفل وائل الغريب (10 أعوام) من قرية تلمنس، تتلخص الحياة في نظره بين قضبان ذلك القفص، حيث يقبع عصفوره الملون صاحب الصوت الجميل والألوان الزاهية. تقول والدته السيدة رابعة (39 عاماً): “من خلاله يحاول ولدي أن يتناسى أخيه الذي فقدناه إثر غارة جوية على قريتنا، ومدرسته التي حرمته منها طائرات النظام، لذلك فهو يقضي جزءاً من النهار في إطعامه والعناية به منصتاً إلى تغريده وألحانه، وكثيراً يردد على مسامعي بأنه سيطلق سراح عصفوره حين يحصل الشعب السوري على حريته المفقودة، ويصبح بمقدوره أن يعيش حياة طبيعية لا وجود فيها للظلم والخوف والدمار”..