الفحم الحجري وسيلة التدفئة في سوريا
"فقر الناس وعوزهم دعاهم إلى البحث عن وسائل دفء بديلة عن المازوت ولكن الفحم الحجري ليس حلاً ناجعاً."
مع دخول فصل الشتاء في المناطق المحررة، والذي يعتبر حملاً ثقيلاً على الأهالي والنازحين، بدأ الناس بتخزين مؤونتهم من المحروقات لتكفيهم حتى نهاية فصل الشتاء. وانقسم أهل المنطقة بين مفضل للحطب أو الديزل أو الفحم الحجري، كوسيلة تدفئة.
عامل حفر الآبار في ريف إدلب عبد الله الأحمد (41 عاماً) يقول لحكايات سوريا: “إن سعر ليتر المازوت يساوي 270 ليرة سورية. لتوفير الدفء بواسطة المدفأة، سنحتاج يومياً ما يعادل 7 ليترات بسعر 1700 ليرة سورية، أي ما يعادل 4 دولارات. لذا نضطر للاقتصاد في هذا الأمر “.
يضيف الأحمد: “فصل الشتاء أصبح عبئاً على الناس لأنه يحتاج مصروفاً هائلاً في مادة المحروقات. وخاصة مادة المازوت التي ارتفع سعرها عدة أضعاف، وذلك يجري وسط حالة من الفقر المدقع في المناطق المحررة نتيجة البطالة وانعدام فرص العمل “.
وفي ظل الطقس البارد الذي يعاني منه سكان المناطق المحررة في ريف إدلب، لجأ الناس إلى شراء أكياس الفحم الحجري والمدافئ المخصصة له. هذه الوسيلة تحقق فعالية كبيرة في منح الدفء دون دفع مبالغ مالية باهظة. نظراً لسعر الفحم الحجري الرخيص مقارنة بالديزل وغيره، والذي لم يعد باستطاعة الفقراء شرائه بسبب غلائه بشكل مستمر.
تاجر فحم حجري عبد الكريم أبو محمد (29 عاماً) يذهب إلى بلدة أطمة على الحدود السورية التركية من أجل شراء أطنان من الفحم الحجري من المخيمات الحدودية، وذلك من أجل بيعها في الأسواق في المناطق المحررة في ريف إدلب الجنوبي.
يقول أبو محمد لموقع حكايات سوريا: “مصدر الفحم الحجري هو من الأراضي التركية، يتم جلبه وتوزيعه من قبل المنظمات الإنسانية على قاطني المخيمات الحدودية. ومن ثم يتم بيعه من قبل الناس هناك بعد اكتفائهم بجزء من الكمية التي استلموها”.
ويضيف أبو محمد: “هناك أنواع من الفحم بعضه لونه أبيض ويساوي 750 ليرة سورية للكيس الواحد، ولكن نوعه رديء. ونوع لونه أحمر يعد من النوع الجيد وسعره 1000 ليرة سورية. والنوع الأزرق ويعتبر ذو جودة عالية ويصل سعر الكيس الواحد إلى 1500 ليرة سورية”.
ويشير أبو محمد إلى أن بيع الفحم يشهد ارتفاعاً ملحوظاً بسعره الزهيد وجودته العالية، فيما يحتاج الناس إلى مدفأة خاصة يصل سعرها إلى 10 آلاف ليرة سورية.
عبد الله الأحمد اشترى مدفأة فحم وطنّين من الفحم الحجري من عبد الكريم لاحقاً. ويقول الاحمد لحكايات سوريا: “لقد لاحظت فرقاً كبيراً في الدفء والمدخول المادي بين الفحم الحجري والمازوت. أحياناً لا نستطيع الجلوس في الغرفة بسبب الحرارة بعد تشغيل مدفأة الفحم، في حين كنا نرتجف من البرد أثناء إشعال مدفأة المازوت”.
ويضيف الأحمد: “الكيس الواحد من الفحم يكفينا لثلاثة أيام، وسعره لا يتجاوز 1500 ليرة بمعدل 500 ليرة سورية في اليوم الواحد. فيما كنا نحتاج ما يعادل 2000 ليرة سورية بشكل يومي ثمن المازوت، ولا نحصل على القدر الكافي من الدفء”.
من جهتها تقول راما ابنة عبد الله الأحمد: “اليوم أصبحنا نشعر بالدفء أكثر من كل الأيام السابقة، وخصوصاً أيام الثلج والصقيع” .
المنظمات الإنسانية والجمعيات الخيرية وزعت خلال العام الماضي كميات من أكياس الفحم الحجري على النازحين في المخيمات على الحدود السورية التركية، وذلك من أجل مساعدتهم على تجاوز المعاناة في فصل الشتاء. وخصوصاً موجات الصقيع التي يعاني منها الناس في ظل غياب آليات ووسائل للدفء.
الشيخ إبراهيم السلوم (28 عاماً) وهو مدرس في مادة الشريعة الإسلامية في تجمع مخيمات أطمة يقول لموقع حكايات سوريا: “في العام الماضي تم توزيع 14 كيس من الفحم الحجري لكل خيمة حيث تم توزيع 7 أكياس على دفعتين في أول مرحلة بالإضافة إلى مدفأة فحم لقاطني المخيم” .
ويضيف السلوم: “تم توزيع عدة دفعات مما دفع بعض الأهالي إلى بيع قسم من الكميات التي استلموها، من أجل الحصول على الأموال من التجار الذين يشترون أكياس الفحم للمتاجرة بها في القرى والمدن المحررة. وينتظر الناس هذا العام البدء في توزيع الأكياس عليهم” .
ويوضح السلوم بأن الكيس الواحد يزن 25 كغ حيث تم تقديمه من قبل منظمة الأيادي الخضراء وحقق الكفاية التامة لتجمع نازحي أطمة العام الماضي. وهو تجمع يضم أكثر من 68 ألف نازح من قرى وأرياف إدلب وحماة الشمالي وحلب الجنوبي.
وبالرغم من إقبال الناس على شراء أكياس الفحم الحجري، إلا أن لدى البعض رأي آخر حيث عبروا عن امتعاضهم من هذه المادة، كونها تسبب الضرر الهائل للبيئة وتنشر الأمراض وخصوصاً عند الأطفال.
أبو وليد (43 عاماً) هو شرطي منشق ويعمل الآن في مواد البناء يملك مدفأة للمازوت ويرفض فكرة شراء مدفأة للفحم الحجري بشكل قاطع.
يقول أبو وليد لموقع حكايات سوريا: “المبلغ الذي سأوفره من خلال شراء الفحم الحجري عوضاً عن المازوت سأضعه عند الأطباء وفي الصيدليات ثمناً للدواء الذي سأجلبه لأطفالي، نتيجة للضرر الذي يحدثه الدخان الناتج عن احتراق هذا الفحم عوضاً عن الرائحة الكريهة التي تصدر منه ” .
ويضيف أبو وليد “أن مدافىء الفحم تصدر دخاناً أسوداً وكثيفاً وتصدر منه رائحة كريهة يستنشقها الناس في الشوارع، مما يؤدي إلى تلوث الجو وانتشار الأمراض بشكل كثيف”.
ويشير أبو وليد إلى أن فقر الناس وعوزهم دعاهم إلى البحث عن وسائل دفء بديلة عن المازوت ولكن الفحم الحجري ليس حلاً ناجعاً.