الطين والفخار لوحات سورية بتوقيع مصطفى ديب

مصطفى ديب وحكايات سوريا تصوير شريف فارس

يعمل مصطفى ديب على تحويل الفخار إلى تاريخ يحكي قصة سوريا اليوم، قصة يريد لها أن تصل إلى كل العالم. ينظر إلى الفخار فيرى بلدته أرمناز ويرى إدلب ويرى كل البلاد فيعمل على صوغها بروح وحدة.

مصطفى ديب (40 عاماً) من مدينة أرمناز كان طفلاً حين بدا بالرسم على الطين وتشكيله على هيئة هياكل وألعاب له ولأصدقائه. في الصف السابع تعرّف على الفخار عن طريق أحد أصدقائه، فبدأ يرسم على الفخار ويصنع منه الأشكال والزخارف.

أعجبت أشغال ديب والد صديقه، فأعجب بها كثيراً وطلب منه أن يعمل لديه في معمل لصنع الفخار. وبدأ مصطفى مشواره بين ممارسة فن الرسم على الفخار والتعليم في المدرسة. فكان صيفه للعمل في الفخار وتطوير موهبته، والشتاء للتعلم في المدرسة وكسب المعرفة.

انطلق مصطفى ديب في كوكب الفخار، وبدأت علاقته مع الفخار تتطور ويزداد تعمقا وتعلّقاً بهذه المهنة، مما جعله يتعمق بها ويزداد عشقه لها. وكون الفخار تراث للأجداد والأبناء والوطن فهو يعتبرها علاقة تراثية حضارية، كترابط بين أصالة الماضي وحضارة المستقبل.

وصل ديب للمرحلة الجامعية وتخصص كمساعد طبيب بيطري. لم يمارس المهنة لأنه أصبح من الماهرين في استخدام الفخار والرسم عليه. وهو يتندر كيف تحقّق دعاء والدته التي كانت تدعو له: ” تمسك تراب يقلب دهب” وبات الصلصال أي طين الفخار بين يديه كالذهب.

عندما يعمل مصطفى ديب على قطعة ما، يلمس الطين بيديه يفرغ كل طاقته السلبية من كل جسده، ويخرج موهبته الفنية. بالفخار يجد علاجه النفسي من كل المآسي، الفخار يعطي دعماً نفسياً لكل من يلمسه.

عمل ديب الكثير من المشاريع الخاصة بالفخار. أحد مشاريعه تقديم الدعم النفسي للأطفال عبر صلصال الفخار. فعندما يلمس الأطفال الطين ويتعلمون كيفية العمل به ويتعاملون معه يعطيهم جاذبية ايجابيه ويفرغ طاقتهم السلبية.

اشتغل ديب مع عدة مصانع للفخار في مدينة أرمناز، أبدع فيها بالزخرفة والرسم على الفخار والحفر عليه، مما مكنه من تطوير مهنة صناعة الفخار من الأواني العادية المطروقة كأواني الشرب والطبخ الفخاري. واستطاع صناعة أشكال فخارية للزينة وشلالات مياه ولوحات جدارية مما جعله يشعل ثورة في عالم الفخار ويحقق نقلة نوعية بحسب أهل المنطقة.

شارك ديب بعدد من المعارض والمهرجانات على مستوى المحافظة، منها مهرجان المدن المنسية في محافظة إدلب لمدة خمس سنوات متواصلة. واستطاع إرسال رسائل للعالم عبر فن الفخار إلى لبنان، بلجيكا، ألمانيا وعدد من الدول الأوروبية الأخرى.

هو رسم لوحات جدارية تراثية قديمة وأرضيات فخارية ورسم لوحة إدلب الخضراء، وهو يرغب في أن تصل رسالته للعالم أجمع وهي: “لسنا إرهابيين نحن شعب نعشق أرضنا وتاريخها وتراثنا” .

العديد من العروض قدمت لمصطفى عيد لكي يغادر سوريا، لكنه رفضها تمسطاً بطين يربطه بأرضه بشكل وثيق جذري، فهو عندما يعمل بقطعة الفخار يشعر وكأنها تخبره وقت انتهائها.

يسعى ديب لإقامة معارض فخارية، لكن بسبب ضيق الوقت لم ينجح بذلك. لكنه يحب أن يتمسك بالفخار فهو يعتبره تراث الأرض. وسيعلّم أولاده تلك المهنة لتبقى مستمرة للأجيال القادمة وتبقى العلاقة وثيقة بين أبنائنا وأرضنا.

يستعمل معدات بسيطة للرسم والحفر على الفخار، لان الأدوات الأساسية كانوا يجلبونها من لبنان ولكن بسبب الحرب والمسافات والغلاء الفاحش اضطر لصناعة أدوات بسيطة بأقل تكلفة ممكنة، تساعده على الرسم والحفر.

يصنع الفخار بطرق يدوية قديمة، يحضّر الطين وهو عبارة عن عدة أتربة فخارية يخلطها ببعضها البعض. ولصنع الفخار عدة مراحل آخرها ادخال المادة المصنوعة إلى لفرن تحت درجة حرارة معينة واخراجها للسوق.

مصطفى يحب دائم تذكير العالم بأن بلاده بلاد السلام والمحبة. هو يتمنى أن تنعم سوريا بالسلام وتنتهي الحرب. يحب بلدته أرمناز كثيراً، وهي التي تعد مهد الحضارات في فن الفخار منذ حوالي 3500 عام قبل الميلاد وهذا التاريخ بسبب وجود تربة قابلة لصناعة الفخار.

يعتقد مصطفى ديب أنه يمكنه نقل تاريخه وحضارته عن طريق الفخار رغم صعوبة الظروف التي تمر بهال البلاد وتراجع صناعة الفخار وغلاء المواد الأولية. إلّا أنه مستمر بصناعة لوحاته وممارسة فنه ويبحث عمن يدعم هذا القطاع ليعيد الحيوية والحياة لقريته أرمناز.