الزهرة السورية التي ذبلت سريعاً

طفلة تقوم بنقل المياه إلى منزلها في أحد شوارع مدينة زملكا.

طفلة تقوم بنقل المياه إلى منزلها في أحد شوارع مدينة زملكا. .

"زهرة تلك الطفلة الجميلة، التي لم تكمل الـ 15 من عمرها، كانت على موعد مع الزواج. "

زهرة تلك الطفلة الجميلة، التي لم تكمل الـ 15 من عمرها، كانت على موعد مع الزواج.

لم تكمل زهرة دراستها بسبب قيام الطائرات الحربية بتدمير مدرستها بشكل شبه كامل في بلدتها معرة حرمة. والدها عاطل عن العمل، اما أمها فتعمل في تزيين العرائس وهي مستعجلة على تلبيس ابنتها ثوب الزفاف.كانت أم زهرة تزورني بين الحين والآخر، إنها عادات الجيرة. كانت تتردد إلى بيتي وكنت أبادلها بعض الود. في آخر زيارة قامت بها لبيتنا أحسست من كلامها بأنها تخطط لأمر ما في ما يخص ابنتها.

سألتها عن زهرة التي كانت معها ولكنها خجولة وعادة ما يتم سؤال الأهل عن الأولاد.أجابت الأم: “زهرة عمًا قريب سيكون لها مستقبل أفضل بكثير من الدراسة، وما نفع الدراسة أصلاً!” وبدا وكأنها من خلال موقفها تسعى لاقناع ابنتها بامر خطير.استوضحتها لأنني لم أفهم قصدها فعلاً. فأجابت: “يا أم خالد البنت بالنهاية ما لها إلا بيتها وزوجها”. ذهلت تماما من كلامها ونظرت إلى زهرة التي كانت تستمع للكلام ولا يبدو انها تفهم منه شيئا، فقد كانت تلعب بظفائر شعرها وهي محدًقةٌ بألعاب على أحد الرفوف وكأنها تريد اللعب بها.قلت لأم زهرة: “ولكنها لا زالت طفلة وصغيرة. وهذا الأمر أكبر من زهرة بكثير. والمستقبل ينتظرها، فلا تحرميها طفولتها”. وبعد مغادرة أم زهرة جلست حزينة أفكًر بكلام أم زهرة لأنني كنت دائما اشعر بأن زهرة مثل ابنتي تماما.

كانت تلك الفتاة جميلة جدا وذكية متفوقة في مدرستها والكل شاهد على ذلك. وقلت في نفسي كيف يستطيع الأهل تزويج بناتهم في هذه السن المبكرة. ولكن وعلى أرض الواقع فقد كانت هذه الظاهرة منتشرة بشكل غير مسبوق. وأصبح تزويج البنات في سن مبكرة عادة وسلوك للتخلص من عبء الفتيات، وهذا ما استنتجه من كلام ام زهرة.

بعد أن ساءت الاوضاع بشكل كبير في بلدتنا، ذهبت زهرة وعائلتها إلى مخيمات النزوح وتحديدا إلى أطمة، عند الحدود السورية التركية، وانقطعت أخبارهم لفترة طويلة .

وفي أحد أيام ربيع 2016 وبينما كنت في البيت جالسة، لفتني صوت جلبة وضوضاء في الحارة. خرجت ونظرت فإذا بسيارة نقل تُقلُ عائلة زهرة . سررت كثيرا لرؤية أم زهرة التي كانت واقفة مع فتاة لم أعرفها بسبب ارتدائها للخمار الذي غطًى جسدها كاملا.توجهت للترحيب بهم والاطمئنان على حالتهم بعدما تركت لهم وقتا للراحة من عناء الرحلة. طرقت الباب وفتحت لي أم زهرة ورحبًت بي كثيراً. وجلسنا سوية ورحنا نتبادل أطراف الحديث، وما جرى بنا وبهم خلال الفترة التي انقطعنا عن بعضنا.حين سألتها عن زهرة، أطرقت برأسها إلى الارض ولم تتلفظ بكلمة. فعدت وسألتها والقلق يساورني أين زهرة ؟ فنادتها: وبالفعل أقبلت زهرة وهي تترنح يمنةً ويسرة، فصعقت عند رؤيتي لها فقد كان وجهها متورًما ومنتفخا وعيناها الزرقاوين صبغت بلون أحمر كالدم .

سألتها: “زهرة كيف حالك يا حبيبتي هل انت مريضة؟ ما الذي أصابك؟”
أجابتني دامعة: “لقد زوجتني أمي وطلًقني زوجي”.

نزلت هذه الكلمات كالصاعقة على مسامعي وللحظات لم أستوعب ذاك المشهد . ضممت زهرة بين ذراعي وبدأنا سوية بالبكاء .نظرت إلى أمها بأسى وحرقة وعتاب: “ألم أقل لك إنها لا زالت صغيرة على الزواج” .
فردًت الأم: “آه آه يا ام خالد ليتني سمعت كلامك، فالندم يأكلني أكلاً. لقد غدر بنا ذاك الرجل الغني الذي تعرًفنا عليه في المخيمات واستطاع اغراءنا بالمال والذهب، فقررت الا تضيع مني هذه الفرصة، وأردت ضمان مستقبل ابنتي مع ذلك الرجل الغني الذي يكبرها بـ 15 عاماً. وبعد مضي اسبوع واحد أعادها إلي مطلًقة، بسبب تصرفات زهرة الطفولية لانها لم تعلم وتدرك ما معنى أن تكون زوجة.نظرت إلى زهرة بحرقة بالغة وألم. يا للقدر ما ذنب هذه الطفلة حتى تتحول فجأة إلى فتاة مطلًقة، وضمن مجتمع ريفي وعادات تنظر الى المرأة المطلًقة وكأنها شيطان يجب أن لا تقترب منه.ذبلت تلك الوردة التي كان اسمها زهرة. وانتهى فصل من حياتها وبدأ فصل جديد. فصل يخبىء لها مصيراً مجهولا .

لم تكن زهرة استثناء ولم تكن ظاهرة فردية، فهذا هو حال الكثير من فتيات سوريا. ظاهرة زواج القاصرات أصبحت أمراً واقعاً وعادياً لا نقاش فيه ولا جدال. ويبقى المتضرر الوحيد الفتيات القاصرات اللواتي يتحولن فجأة ودون سابق انذار من طفلة إلى زوجة فأم ثم الى زوجة شهيد أو مطلًقة.
عائشة السلطان (27 عاماً) من ريف ادلب الجنوبي. خريجة معهد إدارة أعمال من جامعة حلب متزوجة وأم لطفلة صغيرة .