الحرب في سوريا كما تراها طفلة فقدت صديقها
"تسال سبينتا والديها يومياً متى ستنتهي الحرب، وتحدثهما عن هموم رفاقها في المدرسة، وترغب أن ترسم شجرة كبيرة وتعلق عليها صور أصدقائها الأحياء وتكون رمزاً للسلام والأمان."
تبحث سبينتا عن شوارع تحمل رمزية للألم وذكريات الوداع الأخير لمن قضوا نحبهم في التفجيرات والاشتباكات. هي تريد أن تعبّر عن حجم الآلام والمعاناة، تحمل ألوانها لترسم الحزن على فراق صديقها.
سبينتا (13عاماً) تقول: “حين تتحول الرغبة في رسم شجرة جميلة إلى نهر من الدماء، نكون أمام أجيال تشوهت من نتائج الحرب في سوريا، حياتنا شجرة مكسوة بالأحمر على أرضية سوداء قاتمة”.
ببراءة الطفولة رسمت سبينتا خندقاً أسمته “خندق الدموع” ووضعت إلى جانبه وجهين أحدهما ذكري والآخر أنثوي. وعنونت لوحتها “الشهداء لا يموتون، موديل2018”
تعيش سبينتا برفقة والدها الطبيب ووالدتها المدرسة وشقيقتها الصغيرة جين في حيّ السياحي في مدينة القامشلي.
تستغرب سبينتا كيف لحدائق مدينتها أن تفقد بريقها. “حيثما أتنقل أجد الدماء أو ما يرمز إلى الفقدان والحرمان واستمرار نزيف الدم. لم أعد أشعر بجمال الطبيعة الخارجية، أنا حزينة على وطني، ولم تعد البرامج في التلفاز أو النت تشجع على المشاهدة والمتابعة”.
في طريقها إلى مدرستها “ماركبرئيل” بالقرب من حيّ القوتلي، تتنهد سبينتا يوميا لمشاهدتها مئات الصور لشباب قضوا نحبهم واستشهدوا في معارك متفرقة.
تقول سبينتا: “كل يوم وعند الإنصراف من المدرسة أتساءل هل لا تزالُ الصور معلقةً، وهل سيعودون إلى الحياة لأن الجميع يقولون الشهداء لا يموتون”. وتكمل سبينتا البحث عن إجابات لأسئلة ليست لمن في مثل سنّها: “كيف لا يموتون، ولماذا كل هذه الحرب؟”
تعرضت مدرسة “ماركبرئيل” لهجومين منفصلين الأول استهدف الطلاب لحظة الانصراف. وتحمد سبينتا ربها لان الخسائر اقتصرت على الماديات فقط. أما الهجوم الثاني فقد استهدف بطريرك أنطاكيا وسائر العالم للسريان الأرثوذكس، مار أغناطيوس أفرام الثاني كريم الذي كان يزور المدرسة على رأس وفد لإحياء ذكرى ضحايا الحرب، وراح ضحيته ثلاثة شبان.
قبل عامين فقدت سبينتا ديار وهو أحد أعز أصدقائها في التفجير الإرهابي الذي استهدف الحيّ الغربي. “أفظع ما سمعته في حياتي”. وتتابع سبينتا: “رجعت للبيت منهكة من اللعب مع بعض الأصدقاء. تظاهر والدي بالسعادة. شعرت بيديه الباردتين، سألته أكثر من مرة لكنه لم يجبني ما به. لكن ثرثرة شقيقتي جين أوحت لي أن جللاً قد أصاب ديار”.
تذكر سبينتا دخول والدتها إلى غرفتها ذاك النهار حيث كانوا يقيمون في ألمانيا لتخبرها: “ديار استشهد”. ببراءة دموعها طلبت من والدها العودة فوراً إلى القامشلي. على الرغم من حملها الإقامة الألمانية إلا أنها تحب القامشلي أكثر. وكان خبر ديار دافعاً قوياً للعودة.
“كنت في الصف السادس، وكان ديار يرافق والدته إلى منزل خالتي في القامشلي، كان جميلاً وطيب القلب، ويدافع عني دوماً”. طلبت من والدتي أن ازور قبر ديار حين وصلت إلى القامشلي، لم أفهم ماذا يعني أنهم “لم يعثروا على جثة ديار”.
رغبت سبينتا برسم شجرة الميلاد ككل قريناتها. “لا ادري كيف تغيرت اللوحة، وكيف غيرتُ رأيي من رسم شجرة مزينة إلى شجرة بلون الدماء. اللون الأسود في أسفل اللوحة يرمز إلى دخان وأوساخ مولدات الكهرباء وما تسببه من موت بطيء لنا، أما الرمز الذي يشبه حرف الــL)) فإنه خندق يُشبه النهر الممتلئ بدماء شباب مدينتي”.
كانت دموعها تمنعها من أتمام حديثها، وتسأل: “لما كل هؤلاء النسوة والفتيات يقفن على الحواجز، ويحملن السلاح؟ ارغب أن يصبحن طبيبات ومهندسات ومدرسات أو ربات منزل، لا أن ينتظرن دورهن للاستشهاد”. وتتحسر سبينتا على هجرة الشباب للخارج وعمل الفتيات على الحواجز.
سبينتا فقدت الأمل بأن يكون العام الجديد عاماً أفضل. “لا لن نعيش بأمان، سنجد الدماء مرة أخرى، لوحتي غامقة جداً فهي كمدينتي تفتقد للشباب وخالية من الحب والروح”.
تتشارك سبينتا مع والدتها بتطبيقات السوشيال ميديا من فيس بوك ،واتس اب ويتشاركان بموبايل واحد، ويقتصر تواصلها مع أخويها في جامعة دمشق وأقاربها في المانيا، وأصبحت تكره التلفزيون لكثرة مناظر الدماء والأشلاء، وتحاول ألّا تتفاعل مع الصور المؤلمة المنتشرة عبر الفايسبوك.
لا تنكر سبينتا تأثرها بصور الضحايا الأكراد أكثر من غيرهم، فهي لا تخفي حبها للغتها وقوميتها. تقول سبينتا “هناك من يزرع الخير وهناك من يزرع الشر، كلاهما يتصارعان، ونحن من سندفع الثمن، لا استطيع أن أنسى ديار وهو يلازم مخيلتي دوماً”.
تسال سبينتا والديها يومياً متى ستنتهي الحرب، وتحدثهما عن هموم رفاقها في المدرسة، وترغب أن ترسم شجرة كبيرة وتعلق عليها صور أصدقائها الأحياء وتكون رمزاً للسلام والأمان.
وفي ظل غياب المراكز المختصة لرعاية الطفولة، وعدم توفر الإمكانيات اللازمة للمختصين النفسيين والاجتماعيين في المدارس، فإن غالبية التلاميذ والطلاب يعيشون ظروفاً نفسية صعبة. منهم من يجد الرعاية الأسرية ومنهم من يفتقدها.