“التواصل الاجتماعي” بين مناطق الثوار والنظام
أصبحت البلاد مقسمة إلى مناطق تابعة للنظام وأخرى تابعة للثوار. الناس تعيش في المنطقتين، كل بحسب مصدر رزقه، بغض النظر عن موقفه السياسي مع أي طرف من أطراف النزاع.
كانت خطوبتي من ابن خالتي غير عادية، فأنا ما زلت في مناطق سيطرة المعارضة المسلحة في محافظة إدلب، أما هو وبحكم عمله في جرمانا في دمشق كان لا يزال في مناطق تابعة للنظام.
هنا حيث لا يوجد هواتف أرضية، أو تغطية لأبراج الهواتف النقالة، كان السبيل الوحيد للتواصل هو شبكات الأنترنت الفضائية، عبر وسائل التواصل الاجتماعي كالفيسبوك والواتس آب، والتي عبرها كان التواصل مع أبي لطلب يدي. والدي لم يألف هذه الطريقة، ولم يكن الأنترنت من مفاهيم أبي المحبوبة، لذلك رفض فكرة الخطبة عبر الفيسبوك أو الواتس آب، ولكن موافقتي على الخطبة جعلت والدي يوافق مع تحفظاته التقليدية على الطريقة التي تمت بها. السبيل الوحيد لكي ألبس الخاتم، كانت “حوالة مالية من خطيبي” وقمت أنا بشرائه. بعدها تمت الخطبة بحضور الأقارب ما عدا خطيبي وأهله.
لم تكن مشكلة الخطبة على الواتس آب الوحيدة التي أرقت أبي، بل طريقة ذهابي إلى دمشق، خصوصاً أن خطيبي لا يستطيع القدوم إلى إدلب، هو كان ما يزال يعمل على تأجيل خدمته العسكرية في الجيش.
تكفل جدي وخالتي وهي والدة خطيبي،، بمرافقتي من إدلب إلى دمشق. عندما جاءت خالتي من دمشق أجرينا الزفاف بدون العريس، وفي اليوم التالي كان رحلتنا إلى دمشق.
كنت خائفة جدا من انتقالي من مناطق المعارضة إلى مناطق النظام، فعلى الطريق كان هنالك الكثير من الحواجز التابعة للطرفين.
عندما بدأنا الرحلة كان هناك العديد من حواجز الثوار، لم يوقفنا أي حاجز. وعندما وصلنا إلى حماه حيث النظام يسيطر هناك، وعلى أول حاجز توقفنا لمدة نصف ساعة تقريباً. بعدها صعد إلى الميكرو باص ضابط تابع للنظام، ومع هذا كانت لحيته طويلة ومنظره يشبه منظر الثوار، وأخذ يدقق بهويات الركاب الشخصية، وبعد الانتهاء أعطانا محاضرة بالوطنية، وكيف أنهم يحموننا من “الإرهابيين”، وبعدها تابعنا طريقنا وقطعنا عدة حواجز تابعة للنظام وفي كل حاجز، كان الانتظار والمحاضرات بانتظارنا.
عند اقترابنا من دمشق، توقفنا على حاجز مدينة القطيفة، وصعد ضابط أيضا إلى الباص، وبعد تدقيق الهويات الشخصية، نظر الضابط إلى شاب كان يجلس أمامي، وقال له لينزل من الباص، وقال للشوفير تابع طريقك، الشاب كان مطلوبا للنظام، ولكن لماذا لم يوقفوه عند أول حاجز، نقلت استغرابي لجدي، الذي همس في أذني “استرينا يا بنتي”.
علمت من كلمات جدي أنه علي تعلم انتقاء كلماتي جيداً هنا، فهي ليست منطقة معارضة تتكلم كما يحلو لك. هنا عليك التعلم كيف تمجد القائد ومهما قيل لك، عليك بالتمجيد.
دخلنا دمشق ومع دخولنا رأيت الحياة الطبيعية، لا يوجد هناك من ينظر إلى الأعلى خوفا من الطيران، فالطيران كان فقط للمناطق المحررة.
على أبواب جرمانا كان هناك حاجز أيضا، والتفتيش هنا كان أكثر تدقيقا من الطريق العام، ولكن بعدها دخلنا إلى المدينة.
قضيت الآن عامي الأول في جرمانا، ليست الحياة مخيفة هنا كما في مناطق المعارضة، فقط عليك بالتكيف في هذه البيئة، وانتقاء كلماتك بحذر، ولا تشكل صداقات جديدة مع أناس جدد.
وأصبحت وسيلتي الوحيدة في التواصل مع عائلتي هي الواتس آب، وحتى إن قصف عندهم الطيران لا أجرؤ أن اسأل عن القصف، هل ماتت إحدى صديقاتي أما لا، هل عائلتي بخير أم لا.
أصبحت أحسد أهل الجولان، عندما كنت أراهم يتواصلون مع بعضهم عبر مكبرات الصوت، لكنهم كانوا أمام بعضهم البعض، أما نحن حتى عبر وسائل التواصل علينا انتقاء كلماتنا بحذر.