مراكب الموت حملتها وطفليها إلى المانيا
امرأة من الريف الادلبي تحمل أحد أطفالها. تصوير معهد صحافة الحرب والسلام
"ديمة ستغادر البلاد "بالتهريب" مع صغيريها عن طريق الحدود التركية. أما محمد فعبر الحدود اللبنانية، ومن لبنان سيتوجه إلى اسطنبول للقاء والدته وأخويه، في منزل أحد الأقارب. "
قررت أختي ديمة )48 عاماً) أن تذهب إلى المانيا هي وابنها احمد. كانت تخشى أن يتك طلبه للخدمة العسكرية، فهم يقيمون في العاصمة دمشق.
في 8 سبتمبر/أيلول 2015، كانت قد باعت كل ما تملك. ديمة ستغادر البلاد “بالتهريب” مع صغيريها عن طريق الحدود التركية. أما محمد فعبر الحدود اللبنانية، ومن لبنان سيتوجه إلى اسطنبول للقاء والدته وأخويه، في منزل أحد الأقارب.
حضرت اختي من دمشق بصبحة ولديها الصغار لوداعنا. زوجها وبناتها قررت أن يبقوا حتى تبعث لهم دعوة جمع الشمل. وبعد أن مكثت ليلتها عندنا انطلقت عند الصباح الباكر نحو الحدود السورية التركية.
عانقتها قبل أن تغادر بكيت حذرتها قائلة: “أختي ستذهبين إلى مكان لاعودة منه. أتتركين أرضك ووطنك وأهلك؟”
أجابتني بعينين دامعتين: “لا يا أختي لم يبق لي في هذه البلاد أي شيء. أرضي احتلها الجيش السوري، وهدم منزلي. واصبح كل منا في مكان. فأين ما تتكلمين عنه؟ ساذهب إلى حيث أعيش أنا وأبنائي بكرامه وبلا خوف”.
ودّعتها مع علمها وعلمي أنها اخر مرة سنراها فيه. بكينا جميعاً، أمي وأبي إخوتي. ومضت في رحلتها.
بعد أيام اعلمتنا انها لم تلتق بابنها، وأن عليها أن تكمل رحلتها وحيدة، في قوارب الموت التي كنا نسمع عنها. وبعد أن وصلت إلى اليونان أخبرتنا بالصعوبات التي مرت بها. وكيف غرق اناس معها. حمدنا الله على سلامتها.
بعد عشرة أيام وصلت أختي إلى ألمانيا، وقدمت طلب لجوء. كانت بناتها تتصلن بي دوماً، كنّ بسن الزواج. وبعد ما يقارب سفرها بستة اشهر توفي والدي بحادث سير. كلمتها على الهاتف ودموعها تخنقها. سألتها : ماذا جنيتِ من سفرك؟ ابتعدتِ عن زوجك وبنات ، وها هو ابوكِ مات وانتِ وحيدة في بلاد الغربة. لا أحد يواسيكِ. وحيدة في بحر الحزن. فهل تنفعك أموالك الآن؟
لم تتكلم. اكتفت بالصمت والبكاء، حتى انقطع الاتصال. لم أكن استطيع إلّا أن أقسو عليها. فهي لا تزال أختي التي اشتقت إليها. جروح كثيرة ستعانيها في غربتها بعد الاشتياق.
بقيت هناك 10 اشهر تنتظر أن يعطوها ما يدعى إقامة، كي تستطيع بدورها أن تبعث بطلب لم الشمل لزوجها وبناتها. ابنتها الكبيرة ساره
وبعد زواج دام سبع سنوات دون إنجاب، طلّقها زوجها وتزوج غيرها. ابنتها الأصغر زوّجها والدها، وذهبت مع زوجها إلى تركيا.
كانت ديمة تتجرع مرارة مالافعلته. اكتشفت بعد رحيلها وكل ماحدث في غيابها أن المال لا يساوي أي شيء امام لحظة سعيدة تقضيها مع من تحب. وأصعب فقدان هو ذلك الفقدان الذي لا يستطيع احد أن يواسيك فيه. وها هي بعد غياب مايقارب العامين لم تستطع أن تاخذ زوجها وأولادها إلى عندها. بل لايزالون عالقون في أنقرة عند ابنتهم .
تكلمت معها ذات مساء واخبرتني أنه “لا أمان ولا سعادة إلّا في حضن الوطن. منذ أن غادرته لم أشعر يوماً بالأمان. ولم أشعر لحظة بالسعادة. أوصيكِ يا أختي ألّا تخرجي أبداً من الوطن.أما أنا فسأعود حتماً”.
أبكتني كلماتها وكنت أعلم أنها لن تعود أبداً. فالغربة أصبحت الحل الوحيد في زمننا للنجاة والأمان. ولكن كل من جربها علم أنها العكس، ولكنه يصبح عاجزاً عن العودة.
بلادي وإن جارت عليّ عزيزة .
نهله المصطفى (22 عاماً) متزوجة وأم لثلاثة ابناء. ربة منزل من ريف حماه الغربي نازحة في بلدة معرة حرمه.