ما مصير السوري الذي يبصق على صورة بشار الأسد؟!
غرفة انتظار موعد الأطباء في قسم العيادات الداخلية في مشفى القدس بحلب. صور من حلب بعدسة: مجاهد أبو الجود
"أمّا عبد الرحمن فيبقى قصة من بين آلاف قصص المعتقلين الذين قضوا في سجون النظام دون أن يراهم أهاليهم"
أخي عبد الرحمن كان يبلغ من العمر 46 عاماً حين تمَّ اعتقاله. كان يعمل ممرضاً في مشفى تشرين العسكري كي يُطعم أبناءه. هو أب لأربع فتيات وولدين.
كان يقطن مع عائلته في منطقة الست زينب في ريف دمشق. كنتُ أتصل به دوماً كي أطمئن عليه وعلى أولاده. وبقي على هذا الحال لعامين من عمر الثورة. انتقل أخي وعائلته من حي الست زينب إلى حي مجاور، يُدعى “الحسينية”.
وفي أحد أيام شهر شباط/فبراير 2013، كان عبد الرحمن في عمله كبقية أيام الأسبوع، كان وحيداً ليسَ معهُ أحد في الغرفة، او هكذا كان يعتقد. بصق على إحدى الصور التي وضِعت في المكتب للرئيس بشار الأسد. لكن للأسف رآه أحد زملائه فقام بنقل الأمر لأحد مسؤولي الأمن في المستشفى! “إنّ عبد الرحمن ارتكب جرماً عظيماً بصق على صورة الرئيس المفدَّى بشار الأسد”!
قلقت زوجته نديمة عليه يومها لأنهُ تأخر بالعودة إلى المنزل. فاتصلت به ولم يجب على الهاتف! اتصلت بأحد زملائه، فأخبرها أنهُ تمّ اعتقال زوجها!
اتصلت نديمة بنا فوراً، كلّمتني وهي تبكي وتقول: “عبد الرحمن لا أعلم أين هو، قالوا أنهُ تمّ اعتقاله”! لكن أنا وزوجي ليس بيدنا أن نفعل شيئاً! وكان أخي الثاني عمر يقيم في دمشق ويُدعى عمر، لكن لا يعرف أحداً من كبار رجال الأمن لكي يساعدنا! قلت لنديمة أن تذهب برفقة أخي عمر إلى مشفى تشرين، وأن يسألا عن عبد الرحمن بشكلٍ عادي.
ذهبا إلى المشفى، وجلستُ أنتظر ما الذي سيحصل معهما. هل هو اعتقال أم توقيف؟ على أحرّ من الجمر كنت أنتظر اتصالهما. قالوا لهما أنهم سجنوه للاشتباه بأنه على علاقة بمجموعات إرهابية! هنا كانت زوجته قد سكتت نتيجة الصدمة! أمّا أخي عمر فقد عادَ وسأل أحد زملاء عبد الرحمن، فأخبره الحقيقة.
اتصلت بي نديمة وأخبرتني بكل شيء. طلبتُ منها أن تأتي إلى القرية، فذلك أفضل لها ولأولادها من المكوث لوحدهم في العاصمة. لكنها رفضت وقالت لي: “سأبقى هنا للبحث عن عبد الرحمن، فإلى الآن لم أعرف في أي فرع هو!”
كان أخي عمر يعمل في شرطة المرور، لكن ليس لديه أي علاقات كافية تجعله يعلم بمكانِ عبد الرحمن. ساعدَ زوجة أخي وأولاده، وأحضرهم إلى منزله. زوجتهُ لم ترحّب بالأمر فهي لا تريد أن يسكن في بيتها أحد. هذا الأمر سبَّبَ لأخي عمر الكثير من المشاكل مع زوجته.
دام غياب عبد الرحمن عنا وعن أولاده ما يقارب العام دون معرفتنا أين هو، رغم تكرار السؤال والبحث لكن دون فائدة. نديمة وعمر لم يكلا ولم يملّا. استمرّا بالبحث عن عبد الرحمن بلا جدوى…
في 7 نيسان/أبريل 2014، جاءنا خبر وفاة عبد الرحمن داخل السجن تحت التعذيب! لم نره ولم تره زوجته، لم يسلّموا نديمة جثة زوجها. كان خبر وفاة عبد الرحمن صاعقة علينا وعلى زوجته، التي كانت تعيش على أمل أن تراه مجدّداً!
ما أزال أذكرُ وجه أبي، حين قال لي بصوت يستحي البكاء: “عبد الرحمن ابني الثاني الذي يموت فداءً للوطن، وكل أبنائي أنذرهم في سبيل الوطن”.
أقمنا لعبد الرحمن دار عزاء لثلاثة أيام، دون أن نتسلّم جثتهُ! وبعدها انشقَّ أخي عمر عن النظام باعتباره شرطياً، وعاد مع زوجته وأطفاله وزوجة عبد الرحمن وأولادها إلى قريتنا حزارين في ريف إدلب المحرَّر. عملت زوجة عبد الرحمن لفترة في بيع الخبز كي تعيش وتُعيل أبناءها. وهي الآن بعد مرور ثلاث سنوات على وفاة زوجها ما تزال تبحث عن عملٍ جيد.
صحيح أن أهلي يقدّمون لها المساعدة، لكنها تريد أن تعيل أولادها بنفسها، وتمدّهم بالقوة والصبر كي يمضوا حياتهم. أمّا عبد الرحمن فيبقى قصة من بين آلاف قصص المعتقلين الذين قضوا في سجون النظام دون أن يراهم أهاليهم… أدعو الله أن يحفظ بلادنا ويخلّصنا من السجّان.
هلا العبدالله (48 عاماً)، متزوجة ولديها سبعة أولاد. من قرية حزارين في جبل الزاوية، كانت تُقيم في ريف حماة، وتُقيمُ حالياً في معرّة حرمة.