طبيب الصحة العامة يجري عملية جراحية للأوردة!
أطفال سوريون يلعبون في بركة مياه بعد نزل المطر في أحد أحياء مدينة درعا جنوب سوريا.
"ولدي الأن بصحة جيدة وننتظر حتى يتم السنة العاشرة من عمره لإجراء الجراحة التي يحتاجها. واتمنى أن نكون قد نعمنا بالأمان حينها حتى نتمكّن من العودة الى ذاك الطبيب مرة أخرى."
بدأ نصر يحس بألم حاد في قدمه اليسرى مع أول سنة دراسية له. حاولنا معرفة السبب ولكن دون جدوى. المسكنات لم تنفع. وأصبحت أحس بألم طفلي يزداد يوماً بعد يوم.
ولم يكن هناك أي طبيب عظمي سوى في القرى الواقعة تحت سيطرة النظام. لكن هيهات هيهات كيف سأذهب إليها ومع من؟ زوجي منذ أن ترك الوظيفة، لم يعد يستطيع الذهاب إلى هذه المناطق خوفاً من أخذه إلى الخدمة العسكرية بعدما تم استدعاء الاحتياط.
وحده الطبيب العام موجود في هذه المنطقة. أخذنا طفلنا إليه، وبعد الفحص والمعاينة نظر إلينا قائلاً: إنه تورم وعائي، وهو عبارة عن أوردة مفتوحة تجمع الدم وسيزداد حجم التورك باستمرار. انصحكم بأن أجري له عملية جراحية، كي لا تتفاقم المشكلة ويزداد حجم الورم.
في بداية الامر لم أوافق زوجي على هذه الفكرة. وكيف أوافق بأن يجري طبي عام عملية جراحية تحتاج إلى طبيب عظمي، الورم يقع بين أصابع قدمه اليسرى. وهي عملية دقيقة نوعاً ما. وفي النهاية قرر زوجي ألّا يجري أي عمل جراحي. وبقينا نعطي نصر الدواء المسكّن كلما أحسّ بالألم.
طالت المدة وأصبح طفلي يحس بألم أكثر. وبدأت الأوردة بتجميع الدم مع بعضه بالفعل كما قال الطبيب. كنت أراقب حجمها الذي كان يزداد بشكل ملحوظ. عندما يستيقظ في الصباح تكون متورمة لدرجة أنه بمجرد أن يبدأ بالمشي يبكي في أكثر الأحيان. وكان كل ما بكي ينفطر قلبي حزناً عليه.
بقينا فترة من الزمن على تلك الحالة لكن الوضع لم يعد يطاق. الأوردة جمعت الدم بكثرة واتسع حجمها وزادت آلامها عدنا الى الطبيب نفسه وبمجرد أن رآها على هذه الحال قال: لا بد لها من عملية فوراً. كنت على يقين أنه لايجوز لمثله اجراء عمل جراحي. ولكن لم يكن باليد حيلة.
أحسست أنني في دائرة مغلقة وأدور على نفسي. لا بداية ولا نهاية، لا أستطيع النطق بحرف فأنا من أخّر هذه العملية منذ البداية بحجة أنه طبيب عام، ولا يحق له إجرء عمل جراحي ليس من تخصصه. لكنني لا أستطيع عمل أي شي حالياً سوى إنتظار قرار زوجي الذي كان يبدو أكثر حيرة مني في أمره.
زوجي وأخيرا قرر إجراء العملية التي استغرقت حوالي الثلاثين دقيقة. خرج بعدها الطبيب قائلا: الحمدلله ع السلامة نجحت العملية ولن تعود إليه ان شاء الله. شكرنا الله على سهولة هذه العملية وعدنا إلى البيت راجين المولى ألا تعود له ثانية.
ومرت فترة من الزمن ولا زالت قدمه على أحسن ما يرام. إلّا أنّها بدأت بالظهور مرة أخرى وما إن بدأت بالظهور حتى بدأت تتسع شيئاً فشيئاً. وبسرعة أكبر مما كانت عليه في المرة الأولى. بدأ هنا الانتفاخ يبدو واضحاً اكثر مما كان في المرة الأولى. وبدأت أعراض الألم بالظهور مرة أخرى.
عدنا لزيارة الطبيب لكنه في هذه المرة سكت قليلاً ثم قال: لم يعد بإمكاني أن أفعل له أي شيء، فعلت كل ما بوسعي ولا بد من أخذه إلى طبيب جراح أطفال.
ضاقت علينا حينها كل السبل، ولم نتمكن تلك الليلة من النوم، ونحن نفكر إلى اين ستكون وجهتنا، وكيف لنا أن نأخذه الى قرى تابعة للنظام؟
.
وفي صباح اليوم التالي ذهب زوجي إلى عمه، وهو شخص كبير كان قد جاوز الخمسين من عمره، على أمل ـن يستطيع أخذنا معه. لأنه كان يذهب في بعض الأحيان إلى قرية تابعة لسيطرة النظام من أجل أن يحضر مستلزماته من المواد التي يبيعها في دكانه.
وافق عمه وقال أن علينا أن نستعد للذهاب باكراً من أجل السلامة، تحسّباً من وقوع اشتباكات. وفي الصباح ركبنا متجهين الى تلك المنطقة.
دخلنا الى طبيب الجراحة وكان متخصص في جراحة الأوردة. وما إن شاهدها حتى صرخ قائلاً: من لعب بقدم هذا الطفل؟ يا لغباء مثل هولاء الأطباء. كل همهم هو المال. إن مثل هذه الحالات لا يجوز اللعب بها أبداً أو إجراء أي عمل جراحي. لأنه كلما سحبت تلك الدماء زاد حجمها وعادت لتكون أكثر فأكثر.
ثم تابع قائلاً: احمدوا الله على أنه لم يصب بأي أذى في قدمه. لكن حذاري من تكرار هذا الأمر مهما حصل ومهما اشتد ألمه. ففي مثل هذه الحال لابد للطفل أن يبلغ 10 سنوات حتى تكون الاوردة استنزفت كل ماعندها، وتتوقف عندها عن الزيادة. وفي مثل هذه السن يتم اجراء عمل جراحي.
وفحصه الطبيب المختص فحصاً مكثفاً ثم أعطانا الدواء اللازم. ونصحني بألّا أترك ابني حتى تزول كل أعراض الألم واﻻلتهاب في قدمه. وألّا أقلق من زيادة حجم الورم.
أحسست بالراحة النفسية، بعد أن كنت أظن أن أن شفاء ولدي أمر صعب جداً. وعدنا إلى البيت والفرحة مرتسمة على وجوهنا بعد أن كاد الحزن يقتلنا. والحمدلله ولدي الأن بصحة جيدة وننتظر حتى يتم السنة العاشرة من عمره لإجراء الجراحة التي يحتاجها. واتمنى أن نكون قد نعمنا بالأمان حينها حتى نتمكّن من العودة الى ذاك الطبيب مرة أخرى.
نرجس الأحمد (29 عاماً) ربة منزل وأم لطفل تبحث عن فرصة عمل.