جودي وفاروق… وعمالة الأطفال من أجل الدراسة
فاروق في يوم عطلته في أحد مقاهي الانترنت بالمدينة
“أعمل في الصيف من أجل أن أجمع المال، للإلتحاق بدورات تقوية في مواد الرياضيات والفيزياء واللغة الإنكليزية”. هذا ما قاله فاروق (16 عاماً)، الذي كان يستعد مع بداية العام الدراسي لخوض إمتحانات الشهادة الإعدادية في الربيع المقبل.
فاروق من مدينة كوباني، التي ذاع صيتها قبل عامين إبان هجوم تنظيم داعش عليها، ما تسبّب بنزوح كافة سكانها تقريباً نحو تركيا وإقليم كردستان ودول أوروبا.
عائلة فاروق التي تتألف من خمسة أبناء ووالدين، نزحت في البداية إلى تركيا، واستقروا فيها لأكثر من سنة. وخلالها، بقي فاروق وأُخوته خارج قاعات الدراسة، واضطروا للعمل بسبب نفقات الحياة الباهظة في تركيا، وخسارتهم لكل ما يملكونه في كوباني.
يقول فاروق: “أبي خسرَ صيدليته في كوباني، وبيتنا دُمِّر بالكامل… لذا كان علي أن أعمل لأساعد أبي وأخفّف عنه بعضَ الشيء”.
فاروق عمل في تركيا كنجّار موبيليا لعدة أشهر، وتعلّم بعض مهاراتها. ثم أُجبرت عائلته على النزوح ثانيةً، بسبب غلاء المعيشة في تركيا. ولجأوا إلى إقليم كردستان العراق، وعاشوا هناك قرابة خمسة أشهر.
إلاّ أنّ الوضع في كردستان العراق، لم يكن أحسن حالاً من تركيا. فاضطرت العائلة للعودة مجدداً إلى سوريا، عبر معبَر سيمالكا الحدودي مع إقليم كردستان.
خسرَ فاروق وأُخوته خلال فترة النزوح هذه، عامين دراسيين. وهو حال غالبية الأطفال النازحين سواء من مدينة كوباني أو من مدن سوريِّة أخرى.
بعد العودة مجدداً إلى سوريا، قرَّرَ والد فاروق الإستقرار في مدينة القامشلي التي تتوفّر فيها شروط الحياة بشكل أفضل، مقارنةً مع مسقط رأسه كوباني. ولا سيّما من حيث توفّر المواد الغذائية والأدوية والخدمات الطبية ومياه الشرب والتعليم.
وخلال الستة أشهر الماضية التي قضتها العائلة في المدينة، تمكّن الأب ذو الثلاثة والأربعين عاماً، من الحصول على عمل في صيدلية في المدينة. بينما استغلَّ فاروق العطلة الصيفية للعمل في ورشة موبيليا، على مدى ستة أيام في الأسبوع ويحظى بالعطلة الأسبوعية يوم الجمعة.
يقول فاروق بثقة: “أنا الولد الأكبر في العائلة وعلَي أن أتحمّل جزءاً من المسؤولية”. ويؤكد أنهُ لن يستسلم أمام الظروف الصعبة التي تخوضها عائلته، وسيحاول ألا يترك التعليم مجدداً رغم تسربه لمدة عامين في السابق.
ويختم فاروق حديثه لموقعنا، بالقول: “بالأساس أُحبّ المدرسة، ووالداي يشجعاني على استئناف دراستي. لأنَّ العلم هو الضمان لمستقبل الإنسان، وأنا أريد أن أكمل تعليمي”. ويحلم فاروق أن يصبح رائدَ فضاء في المستقبل.
عمالة الأطفال ليست محصورة بين النازحين فقط. فجودي البالغ من العمر 16 عاماً من سكان مدينة القامشلي، عملَ هو الآخر في العطلة الصيفية ليحظى ببعض المال الذي قد يساعده على مصاريف الدراسة.
يقول جودي عن عمالته في الصيف: “دوامي خمسة أيام في الأسبوع من الصباح حتى المساء، كمُحاسب في محل لبيع المواد الغذائية، وأنا سعيد بهذه التجربة”.
جودي يعيش في عائلته المؤلفة من خمسة أخوة ووالديهم. ولم يترك المدرسة أبداً، رغم تردّي مستوى التعليم في القامشلي في السنوات الخمس الأخيرة. ولا يعتقد جودي أن عمله في مجال المحاسبة سيكون بديلاً عن المدرسة، بل يرى أن عمله وسيلة تساعده على بلوغ غايته في المستقبل، مع بداية كل عام دراسي.
جودي يحلم أن يصبح طبيباً في المستقبل، ويقول أنَّ لا غنى للإنسان عن التعليم. ويسأل: “ماذا لو اضطررت إلى اللجوء خارج سوريا… ماذا يمكنني أن أفعل إن لم أكن أحمل شهادة دراسية؟”
أبرز أسباب ظاهرة عمالة الأطفال في سوريا، تعود إلى انهيار الإقتصاد السوري، والدمار الذي لحق بالبنية التحتية للبلد، وخسارة الأملاك الخاصة للسكان، وفقدان الكثير من العائلات للمعيل، واللجوء…
وبشكل خاص، ألحقت الحرب أضراراً جسيمة بقطاع التعليم حيث تدمّرت الكثير من المدارس، وتحوّل العديد منها إلى مقرات عسكرية. كما أنَّ حركة النزوح الكثيفة تسببت في انقطاع آلاف الأطفال عن المدرسة، فتوجهوا إلى سوق العمل في سنّ مبكر.
وكان العام الدراسي في سوريا قد بدأ في 18 أيلول/سبتمبر. وسط ترقب السكان في كل من مدينتي الحسكة والقامشلي، لما ستؤول إليه أحوال المدارس، لوجود خلافات حول المناهج الدراسية.
وتدور الخلافات بين هيئة التربية التابعة للإدارة الذاتية من جهة، وهي التي تدير المناطق ذات الغالبية الكردية في مقاطعات الجزيرة وكوباني وعفرين… وبين مديرية التربية التابعة لحكومة النظام في دمشق من جهة أخرى. فيما يتقاسم الطرفان المناهج في مدارس كانتون الجزيرة، بحسب كل مدرسة.
وكانت قد وزَّعت الإدارة الذاتية في العام الماضي، المناهج التعليمية باللغة الكردية على غالبية مدارس المقاطعات الثلاث من الصف الأول حتى الثالث. وتنوي هذا العام أن توزّع المناهج من الصف الرابع حتى السادس باللغة الكردية أيضاً.
وسط كل هذه التجاذبات، أنهيا فاروق وجودي عطلتهما الصيفية التي قضياها بالعمل، لينشغلا بعامهما الدراسي الجديد. عملا من أجل تأمين مصاريفهما، واستكمال الحلم بالدراسة. فيما السؤال، إن كان أحد يكترث لأحلام الأطفال السوريين، الذين كبروا قبل أوانهم وباتوا يتحمّلون مسؤوليات عائلاتهم ودراستهم معاً!