الحجامة تعود إلى إدلب
هكذا يتم علاج أوجاع الظهر بالحجامة تصوير دارين حسن
"المتخصص بالحجامة وليد الكامل، يحذّر من الأشخاص الذين لا يمتلكون الخبرة في مجال الحجامة ولا يفقهون بأسس التعقيم الصحيحة، مما قد يتسبب بمضاعفات لا تُحمد عقباها "
أبو عامر (44 عاماً) من قرية حاس كان يعاني من متاعب صحية لم تنجح الأدوية في علاجها بسبب آلام مزمنة في الظهر والكتف والرقبة نتيجة عمله الشاق في البناء. لجأ أبو عامر إلى التداوي بالحجامة التي شعر بعدها براحة كبيرة.
ويقول أبو عامر: “ساعدتني الحجامة في تخفيف آلامي وزيادة نشاطي دون أن تترك أضراراً جانبية كتلك التي كنت أشعر بها خلال فترة تناول الحبوب والأدوية المسكنة. لجأت إلى العلاج بالحجامة وشعرت بعدها بتحسّن ملموس، وأصبح لدي قناعة بأنها فعلاً تعمل على تنقية الدم، ولها العديد من الفوائد الصحية”.
استخدم القدماء ما يسمّى بالحجامة في العلاج منذ آلاف السنين، وكانت من أكثر الطرق العلاجية القديمة انتشاراً. ولكنّ فئة من الناس عادت إليها بعد الحرب في إدلب، نظراً لشح الأدوية وانتشار الفقر وتدهور الأوضاع المادية في ظل الظروف الأمنية الصعبة، إضافةً إلى اعتقادهم بفوائدها الطبية، لذا انتشر صيتها كنوع من أنواع الطب البديل.
الطبيب عبدالله الأيوب (42 عاماً) من معرة النعمان، متخصص بأمراض القلب والأوعية الدموية، يتحدث لـ حكايات سوريا عن آلية عمل الحجامة. يوضح الأيوب “هناك نوعين من الحجامة، النوع الأول هو الحجامة الجافة، وتكون من دون تشريط، حيث يقوم مَن يُطلَق عليه إسم الحجّام بوضع كأس الهواء على منطقة محددة من الجسم في مكان ثابت بهدف إحداث تغيير في الضغط الداخلي والخارجي للدم باتجاه معاكس.
ويتابع الأيوب: “أمّا النوع الثاني فهو الحجامة الدموية، وفيها يتعرض الجلد لتشريط سطحي، ثم يوضَع الكأس لشفط الدم بكميات يتم التحكم بها، ثمّ تُغطّى هذه الجروح بمرهم وبوضع لاصق طبي لحمايتها من العدوى بالأمراض”.
وفي نوعَي الحجامة يقول الأيوب “يتم إضافة مادة مشتعلة داخل الأكواب، وبعد أن تنطفئ النار تماماً يوضَع الكوب على جلد المريض لمدة زمنية تتراوح بين خمس وعشر دقائق، حيث يتسبّب البخار الناتج بحدوث ضغط يساعد على عملية تمدّد الأوعية الدموية واحمرار البشرة وارتفاعها داخل الكوب وشفط الدم”.
وعن مواضع وضع الحجامة، يشرح الأيوب: “يوجد في جسم الإنسان العديد من النقاط، يمكن تطبيق الحجامة على أي منها ما دامت لا تحتوي على شرايين عصبية أو أوعية دموية رئيسية. فقد تطبّق الحجامة في أجزاء معينة من الساق والقدم، وعلى يمين ويسار العمود الفقري من أعلى الظهر حتى أسفله، وفي مؤخرة الرأس وخلف الأذنين وما يسمّى بمنطقة الكاهل بين الكتفين وغيرها من الأماكن”.
ويعتقد الطبيب الأيوب: “أن الحجامة تساعد على تخليص الجسم من الدم الفاسد، حيث يوجد مناطق قد تُصاب بضعف في حركة تدفق وجريان الدم، فيكون العلاج بالحجامة لتخليص الجسم من هذه المشكلة عبر تنقية مجرى الدم وتسهيل تدفق الدم الجديد وتنشيط عملية إنتاج كريات جديدة مكان الكريات الفاسدة، فيصبح الدم أكثر حيويةً وصحياً أكثر. كما تنظّم الحجامة الهرمونات وتعمل على تقوية مناعة الجسم.”
الحجّام وليد الكامل (39 عاماً) من قرية معرشورين في ريف إدلب، يحدّثنا عن عمله قائلاً: “يشترط بالحجّام أن يكون ملمّاً ببعض الأساسيات والأمور الطبية التي تمكّنه من مزاولة هذه المهنة. فأنا بالأساس ممرّض وأقوم بدراسة حالة المريض وأحاذر إحداث أي جروح عميقة وبشكل خاص بالنسبة لمرضى السكري”.
كما يشير الكامل إلى ضرورة أن ينام المريض قبل العملية لوقت كافٍ وألا يتعرّض لأي ضغط نفسي أو عصبي، وأن يبتعد عن التدخين وتناول الدهون والدسم في يوم الحجامة. ويحذر من أجراء الحجامة على المصابين بفقر الدم أو المتبرعين بالدم حديثاً أو المصابين بارتفاع درجات الحرارة.
ويقول الكامل: “يلجأ أهالي إدلب في سنوات الحرب إلى الطب البديل وتُعد الحجامة أحد أشكاله، لذلك يجب أن نحرص على إبقائها حيةً في المجتمع لما لها من آثار صحية إيجابية”.
الظروف الاقتصادية الصعبة هي التي دفعت الشاب علاء كرامي (25 عاماً) من معرة النعمان إلى التداوي بالحجامة لتوفير ما سيدفعه ثمناً للأدوية. وقول كرامي: “أعاني من آلام مستمرة في ساقي، ولم أتمكّن من متابعة العلاج بسبب ضيق الأحوال المادية لذلك نصحني أحد الأصدقاء باللجوء إلى الحجامة. وبالفعل شعرت بعدها بارتياح وتحسّن، وقررت الاستمرار بالعلاج حتى الشفاء، لما لها من تأثيرات إيجابية على صحتي”.
المتخصص بالحجامة وليد الكامل، يحذّر من الأشخاص الذين لا يمتلكون الخبرة في مجال الحجامة ولا يفقهون بأسس التعقيم الصحيحة، مما قد يتسبب بمضاعفات لا تُحمد عقباها مثل الجروح العميقة التي قد تؤدي إلى نزيفٍ حاد، أو الحروق في مرحلة إشعال الكوب…
ويقول الكامل: “يجب على مَن يرغب بالخضوع للحجامة أن يتوجه إلى أشخاص متخصصين ويُستحسن أن يخضع لها في مركز صحي ليضمن تعقيم الأدوات المستخدمة ويكون التطبيق صحيحاً”.
وفي هذا الإطار، يروي أبو يوسف (30 عاماً) من قرية جرجناز لموقعنا، عن معاناته إثر الخضوع للعلاج بالحجامة على يد شخص غير متمرّس، فيقول: “بعد العملية، بدأت أشعر بآلم شديد في ظهري وأصبت بجروح عميقة ما تزال ندوبها ظاهرة حتى الآن. كما قمت بإجراء فحوصات طبية خوفاً من انتقال أحد الأمراض الفيروسية لجسمي عبر إحدى الآلات الحادة التي تمّ استخدامها.”