أن أعود إلى منزلي حلم صعب المنال
امرأة سورية تقوم بجلي الأواني المنزلية في أحد أحياء مدينة درعا في جنوب سوريا.
"رفيقه كان قد هيأ لنا غرفة إلى جانب غرفته. كانت ضيقة ومنتفعاتها صغيرة جداً، وليس فيها من أبواب داخلية. "
ضاقت بي الدنيا بما فيها، حين سكنت في غرفه صغيرة، في مخيم للنازحين بين قرية كرسعه وبلده معره حرمه. لم يكن هناك من حل أو بديل.
بتاريخ 29 كانون الثاني/يناير 2018، جاء زوجي إلى المنزل غاضباً جداً. سألته: ما بك؟ قال: رواتب الجيش الحر توقفت حتى إشعار غير معلوم. وصاحب المنزل الذي استأجرناه يريد إيجار المنزل، وبائع الخضار يريد أيضا ما استدناه من عنده طوال الشهر الفائت، وبائع المنظفات والمحروقات وغيرهم.
سكت زوجي وحسرة تملاء وجهه والهمّ يطوق روحه. لم تكن معاني وجهه تتفسر لشده استيائه. أما أنا فتغيرت نظرتي للحياة لأشعر بكآبه شديدة. من أين سنسدد للناس أموالهم؟ واين سنمضي باقي أيام حياتنا في ظل هذا الغلاء؟
نام زوجي ليلتها مزعوجاً. ولكن انا لم استطع النوم. كان وضع زوجي يقلقني. لم أنم حتى الصباح، وما كدت أغفو قليلاً حتى استيقظت على الهم مجدداً. ليس هناك ما يستطيع زوجي عمله سوى أن ينتظر الفرج من الله.
جاء صاحب المنزل يطالب بالإيجار. أخبرته أن زوجي لم يتقاض مرتبه الشهري، وسيعطيه فور تلقيه المال. لكنه لم يقبل بذلك الحل. بل قال: “أمامكم مهلة 3 أيام. إن لم تدفعوا يجب أن تتركوا المنزل. فأنا رجل فقير أعتاش من مدخول إيجار المنزل”. قدرت وضعه، فهو فقير في هذه الأحوال الصعبه وكلنا يحتاج المال.
جاء زوجي ظهراً، لم أشأ إخباره بما جرى حتى تناول طعام الغداء. وبعدها أخبرته أن صاحب المنزل يريد أن يخرجنا منه. لم يتفاجأ زوجي بل ابتسم ابتسامة صفراء. ابتسامة سخرية من هذه الأيام.
قلت له أن نعود لنسكن مع أهله، فهناك غرفه فارغة في المنزل. هي نفسها غرفتنا التي كنا نسكن بها. إلّا أن زوجي لم يقبل. وذهب إلى أحد أصدقائه ليستدين منه مبلغاً من المال، كي نسدّد إيجار المنزل، وبعض البائعين. وبعد ذهابه ذهبت خلسة إلى دار أهله. لم أكن لأخرج دون إذنه، ولكن هذا أمر طارئ، وزوجي لا يقبل أن يخبر أحداً بما نعاني من صعوبات.
وعندما التقيت والدته أخبرتها بمل حصل معنا. وأنه يرفض العودة مجدداً إلى المنزل. إلّا أن أمه لم تسمح لي بالعودة إلى منزلي، وأخبرتني أنها ستستقبلنا، بعد أن ساءها حالنا ووضع زوجي.
عاد زوجي من بلدة معرة حرمه، وعندما لم يجدني بالمنزل توجه إلى منزل أهله. وجدني هناك، أخبرته والدته بأنها ترغب أن يعود ليعيش بينهم، وأخبرته أنها ستساعده على إيفاء دينه .لكن زوجي لم يقبل. فنفسه عزيزة جداً عليه.
وأخبرني أن رفيقه يسكن في سكن النازحين مجاناً في بلدة معرة حرمة، في شقة عبارة عن غرفة ومنتفعاتها. لكني لم أرغب الذهاب، هل كتب علي أن أغادر من مكان إلى أخر. لو كنت أعلم أن كل هذا الضيق سأمر به. لفضلت أن أعيش في الغربة طوال عمري في جرابلس، على أن أعود إلى بلادي وأذوق كل ذلك المرار.
وفعلاً وفي اليوم التالي حزمنا أمتعتنا وأغراضنا وذهبنا إلى سكن النازحين هناك. رفيقه كان قد هيأ لنا غرفة إلى جانب غرفته. كانت ضيقة ومنتفعاتها صغيرة جداً، وليس فيها من أبواب داخلية. وفي هذا الشتاء اضطررت أن أضع البطانيات على الأبواب، كي أخفف قليلاً من البرد الذي كان يتسلل الى المنزل. كنت أخاف على طفلتي من المرض بسب ذلك البرد والضيق والرطوبة.
لم أكن أستطيع حتى أن آخذ راحتي بالكلام. الأبواب جميعا محاذيه لبعضها، والخصوصية أشبه بالمعدومة، كنت أسأل نفسي ما الفرق بين هذه الغرفة والخيم، أنها لاتفرق سوى أنها من الإسمنت .زوجي شعر بما أعاني منه، ولكن ليس هناك من بديل أبداً. هذه هي حياتنا.
كان الجيران المقابلين لنا من البدو من شرقي حماه. وكأن النظافة لم تعرف إليهم سبيلاً. كانت الأوساخ تصبح أكواماً أمام أبواب الغرف. ورائحتها الكريهة، تصيبني بالاشمئزاز. حتى أنني لم أشأ مغادرة غرفتي التي هي أشبه بسجن صغير، أعيش فيه أنا وعائلتي زوجي وابنتي.
كان زوجي يمضي معظم وقته مع صديقه. أما أنا فكنت أشغل نفسي بأعمال المنزل، من طبخ وغسيل. وهذا أكثر مايعذبني فبغياب الكهرباء كنت أغسل يدويا. ولكنها تسلية ليمضي ذلك العمر الذي ابتديت به حياتي مع هذه الحرب، التي لم تبق لديّ أي إحساس بالحياة أو رغبة. على أمل أن يكون الغد أفضل.
لم تتغير معاناتي أبداً. زوجي تأقلم مع الوضع، وصار يحب تلك المنطقة، بعد أن أصبح يسهر يومياً عند صديقه. وأصبح يذهب إلى أماكن لم يكن قد اعتاد الذهاب اليها. إلى الجبال وأحراش الزيتون.
زوجي نسيني كثيراً. لم يعد يسألني عن حالي ومشاعري ولم يعد يخفف من قلقي. كان كل مساء يحتضن ابنتنا قليلاً، ويخرج ولا يعود حتى يجدني نائمة أنا وابنتي. ربما هو يتهرب مني ومن أسئلتي. يعلم ما بي ولكنه يتظاهر بالامبالاة، كي لا ادعوه الى العودة الى منزل أهله .
سأمضي هكذا أيام عمري، أحلم بغد وأحلم أن أعود إلى بلادي. وأحلم أن يعود لدي منزلي لأسكنه كباقي البشر. أهو حلم صعب المنال؟ تخبرني نفسي أنه كذلك .
شيماء الفارس (23 عاماً) من ريف حماه الغربي خريجة جامعية، أم لطفلة.