أُصيب بظهره… فكسرَ ظهرنا جميعاً!

فقدتُ والدتي في 15 آب/أغسطس 2012، بعدَ مُعاناتها مع المرض، وعدم تمكننا من الوصول إلى دمشق لمُعالجتها، بسبب الإجراءات الأمنية والحواجز المنتشرة على طول الطريق بينَ حلب ودمشق.
أصابنا الحزن جميعاً، ولكن والدي كان الأكثر حزناً… فهوَ الكفيف الذي لا يرى النور، وأمي كانت بوصلته ومَن تُساعده في المشي. أبي بحكم وضعه الصحي لا يعمل، وبالتالي ليس لنا من مُعيل أنا وأُختي إلا أخي الذي يُعيل بدوره زوجته وابنه الصغير.
في 4 تموز/يوليو 2011 اجتاحت قوات النظام مدينة كفرنبل والمناطق المجاورة، وأقامت فيها الحواجز العسكرية، حتى تحريرها في 10 آب/أغسطس 2012، بعدَ معارك عنيفة استمرت 5 أيام بمواجهة فصائل الجيش الحر المتواجدة في المنطقة .
في 31 تشرين أول/أكتوبر 2012، استهدف مدفعية النظام كفرنبل بشكل عنيف. كان والدي يُتمتم بالدعاء بأن يحفظ الله أخي، المتواجد في دكانه الخاص الذي يعمل فيه وسط المدينة، من أجل أن يؤمِّن لنا لقمة العيش التي نسد بها رمقنا.
سيارات الإسعاف انطلقت مُسرعةً تبحث عن مصابين تنقذهم. لا صوتَ يعلو على صوت سيارات الإسعاف. لحظات قليلة وبدأ أحدهم يطرق باب المنزل، لا أعرف كيف وصلتُ إلى الباب، فمن شدة خوفي كنتُ أرتجف كثيراً… “أخاكِ أصابتهُ شظية في ظهره وهو الآن في المشفى الميداني”. هذا ما قالهُ إبنُ جيراننا قبلَ أن ينسحبَ بهدوء بعدَ أن رأى حالتي.
كيفَ سأُخبر والدي، فهو مريض ولا يحتمل مثل هذا الخبر! استجمعتُ قواي وقلتُ له أنَّ أخي أصيب إصابةً خفيفة وهو الآن في المشفى… لم أرَ دموع والدي كما رأيتها حينها ، وإلى هذه اللحظة صوته المتآكل من قسوة الحياة، ما يزال يحفر في رأسي! وقفَ فور سماعه الخبر، وبدأ يخطو باتجاه الباب، فهو يريدُ الذهاب إلى المشفى الميداني الذي يقبعُ فيه أخي.

خمسُ ساعات من الإنتظار أمام غرفة العمليات، ليخرج طبيب مُنهَك وقطرات العرق تتساقط من جبينه، يقولُ لنا: “الشاب في حالة حرجة… فادعوا لهُ”… فقدَ والدي وعيهُ في تلكَ اللحظات، وبدأتُ بالبكاء. لم أعرف على مَن أحزن، أأحزن على أخي أم أحزن على أبي أم أحزن على نفسي؟ وحزني على أمي لم ينتهِ بعد!
طلبَ الأطباء صورة طبق محوري لأخي، ولم تكن متوفرة في ذلك الوقت إلا في مدينة سراقب كأقرب منطقة لنا. وهذا ما حصل نقلتُ أخي مع المسعفين منَ المشفى الميداني. وفي طريقنا من كفرنبل إلى سراقب، لا أعلم ما الذي حصل في مدينة معرّة النعمان، فأحدُهم اصطدم بنا وأصوات الصراخ كانت تملأ المكان… شاب صغير يركب دراجة نارية كان ضحية ذاك الإصطدام! على الفور نزلَ طاقم الإسعاف وقاموا بإدخاله إلى السيارة التي نستقلها، وأجروا الإسعافات الأولية له ريثما نصل لمدينة سراقب. كان الطفل فاقداً للوعي ودماءَهُ تُغطي وجههُ البريء.
أحسستُ أن الطريق لم ينتهِ، فكل دقيقة كنتُ أعيشها كانت دهراً! حتى وصلنا إلى المشفى المنشود وقمنا بإدخال أخي إلى غرفة التصوير. وبعد إجراء الصورة، تبيَّنَ أنَّ الشظية أصابت العمود الفقري، وحالة أخي حرجة جداً، لذا يجب تحويله إلى مشفى باب الهوى الحدودي. وعلى الفور قمنا بنقله إلى ذلك المشفى.
عدة ساعات أمضيتها أنتظر أمامَ غرفة العمليات، إلى أن تمَّ إخراج تلك الشظية الغادرة التي أردت أخي طريحَ الفراش. لأعلم من أحد الأطباء بأنَّ أخي مُصاب بعاموده الفقري إصابة كبيرة، وأنَّ نسبة الشلل النصفي لديه 99%.
هموم الدنيا حملتُها معي إلى مدينتي وأنا عائدة مع أخي. ماذا سأقول لوالدي عن حالة أخي؟! “حسبنا الله ونعم الوكيل، لا إله إلا الله، الحمد لله”… كلمات ردَّدَها والدي عندما علم بالنتيجة. أخي الآن ممددٌ على فراشه الذي تعبَ من آهاته. فبعدَ أن كانَ مُعيلاً لنا ولزوجته وولده، صارَ الآن لا مُعيلَ لهُ.
ريم العيسى (23 عاما) من كفرنبل، متزوجة وأم لولدين. انقطعت عن متابعة دراستها الجامعية وكانت في السنة الأولى تخصص تاريخ، وذلك بسبب الأوضاع الأمنية.