المسعفون في المناطق المحررة يواجهون الموت لإنقاذ الأرواح

لم يكن أحد يتوقع أن يعود محمد (25 عاماً) إلى الحياة. كانوا يظنون أنه قضى بعد إصابته البالغة بفعل انفجار الصاروخ الذي سقط قرب منزله. ولكن محمد نجا بعدما أسعفه ناصر (35 عاماً) الذي أوقف النزيف ونظف جاحه خلال نقله مع المسعف عبد الحميد السلمو (50 عاماً) إلى تركيا عبر معبر باب الهوى. خدمة الإسعاف السريع في إدلب وريفها لم تؤدِّ إلى إنقاذ حياة محمد فقط، بل أنقذت حياة العديد من المرضى والمصابين جراء الحرب الطاحنة والقصف اليومي الذي تتعرض له المناطق المحررة.
يقول محمد: “لقد عدت للحياه مجدداً والفضل يعود إلى عبد الحميد المسعف الأول في منطقة كفرنبل وما حولها، الذي أسعفني مباشرة إلى تركيا بعد الاصابة، وهناك أجروا لي العمليات الازمة لإنقاذ حياتي”.
رئيس منظومة الإسعاف المركزية الخيرية في إدلب وما حولها عبد الحميد السلمو( 50 عاماً) إبن بلدة كفرومة شرق كفرنبل يقول عن المنظومة أنها “الأقدم في المنطقة، وهي بدأت العمل منذ بداية الثورة. كانت فردية وإنسانية تعتمد على جهود أشخاص يعملون مجانا بدون مقابل. عملنا بداية في حمص وذلك عبر نقل المرضى والمصابين من هناك. وبعدها انتقلنا إلى تلمنس بعدها بفتره إلى جبل الزاوية، وأخيراً استقرينا في كفرنبل منذ ثلاث سنوات تقريبا”.
السلمو يفاخر بمستوى المنظمة ويصفها بأنها الأفضل على مستوى المنطقة، نظراً لخدماتها واستمراريتها و التزامها بالرغم من ضعف الدعم حيث تعتمد على تبرعات ومنح من قبل بعض الأشخاص والمنظمات الخيرية فقط. وبحسب عبد الحميد السلمو لدى المنظومة 6 سيارات مجهزة بمواد إسعافية أولية، كالأوكسيجين وبعض الأدوية الخاصه بالنزيف، والمعقمات. ويتكون الفريق العامل في كل سيارة من سائق ومسعف. ويقول عبد الحميد السلمو “تعتمد عملية الإسعاف على الدقة في العمل والسرعة الفائقة في العمل”.
منظمة الإسعاف السريع ليست الوحيدة في المنطقة، فهناك سيارات إسعاف خاصة بالمشافي، مثل مشافي معرة النعمان ويملك كل مشفى سيارتي إسعاف بالإضافة لسيارات الإسعاف التابعه للدفاع المدني العاملة في المنطقة. ويبلغ عدد سيارات الإسعاف في كافة إدلب وريفها حوالي 50 سيارة تقريباً.
ونظراً للأهمية المتزايده لعمليات الإسعاف في المنطقة، مع ازدياد القصف والحرب وتهديم البيوت، فقد تم استحداث منظمة أخرى للإسعاف أكثر دعماً وتنظيماً في إدلب المدينة، وهي منظومة شام الإنسانية. التي تعمل على أرض الواقع منذ سنة تقريباً، وهي مدعومة مادياً بكل الوسائل. يقول عبد الحميد السلمو: “منظومة شام الإنسانية تضم 20 سيارة إسعاف، تعمل بالتناوب في المدينة وما حولها ليلاً نهاراً. السيارات مجهزة بأحدث الأجهزة والمكونات الإسعافية الضرورية: مونيتور، صادم، جهاز سحب مفرزات، بالإضافة للشاش والقطن ومعقمات، إضافة إلى ميزة تعويض أي سيارة تتعرض للعطب أو الدمار أثناء العمل.”
“وللعاملين ضمن منظومة شام الإنسانية ضمانات منها، توفير المنظمة كفالة لعائلة المسعف في حال إصابته أو موته أثناء قيامه بالعمل الإسعافي، وذلك بإعطاء راتب شهري لتلك العائلة مقداره مئة دولار، في الوقت الذي تفتقر فيه منظومة إسعاف كفرنبل لمثل هذه الميزات بسبب تدني الدعم المادي لها وانعدامه أحياناً” يقول عبد الحميد إلى السلمو ويلفت إلى منظومة جديدة للإسعاف، وهي منظومة الهلال الأحمر القطري، التي من المقرّر أن تعمل لمدة شهرين متتاليين فقط بواسطة الدعم الذي تتلقاه، وهي تضم عشرين سياره مجهزة. ستسلم السيارات العشرين إلى مديرية الصحه بإدلب، التي سيكون عليها تأمين الدعم.

سيارة إسعاف تابعة لمنظومة شام الإنسانية خلال تأدية عملها تصوير مها الأحمد

وهيبه (60 عاماً) من كفرنبل، مريضة بالربو، أصيب بيتها بصاروخ طائرة حربية. لم تحتمل روائح وكثافة الدخان الناجم عن تهدم المنزل أصيبت بنوبة ربو حادة. المسعف ناصر قام بإسعافها إلى أقرب مشفى في كفرنبل. وهناك تمت معالجتها وتزويدها بالدواء المناسب ومعالجة جروحها المتوسطة.

المسعف ناصر يشير إلى العديد من مهام الإسعاف الداخلي مثل حالات الولادة والولادة الحرجة، حيث يتم إسعاف الأطفال الحديثي الولادة وخصوصاً الولادات المبكرة حيث يتم نقل المواليد إلى أماكن تواجد حاضنات فارغة في المشافي البعيدة، ويتم تحويل الحالات المرضية الخطيرة الغير ممكن علاجها في الداخل إلى خارج سوريا، كتركيا عبر تسليمها إلى السلطات التركية على الحدود السورية التركية ومن الحالات الاسعافيه الجلطات الدماغية، ويتم أسعاف المريض إلى أماكن تواجد أجهزة التصوير كجهاز تصوير طبقي محوري ورنين مغناطيسي.
أصيب أحمد (75 عاماً) بنزيف في الدماغ بعد ارتفاع ضغط دمه المفاجىء. يقول ابنه قاسم “الطبيب اشتبه بوجود النزيف، وأخبرنا أنه بحاجة إلى عمل جراحي سريع. لذلك طلب منا إسعافه إلى باب الهوى مباشرة حيث يوجد جهاز طبقي محوري وتقنية مع إمكانات أكبر من كفرنبل لعمل مثل تلك العمليات”. يضيف قاسم “تم الاتصال بمكتب الإسعاف السريع في كفرنبل مباشرة، والذي بدوره جاء على الفور وأسعف والدي إلى المكان المطلوب. تم إجراء تلك العمليه الجراحية التي نجحت بعون الله والفضل يعود لله أولا ولجهود المسعفين الجبارة والسريعة في إسعاف والدي”.
هذه المهمة الإنسانيه الجبارة لا تخلو من التعرّض للمخاطر والأهوال. يقول ناصر: “لقد تعرضت للموت مراراً، وكنت أنجو في كل مرة. في إحدى المرات ضللنا الطريق ي منطقة جبل الزاوية. وجدنا أنفسنا بمواجهة أحد حواجز النظام مباشرة، بادروا بإطلاق النار تجاهنا، اخترق الرصاص بعض جوانب السيارة، لكن لم يصب أحد بأذى، سوى السائق الذي جرحت إحدى الرصاصات طرف إصبعه”. ويؤكد ناصر أن اثنين من زملائه المسعفين في المنطقه قضيا أثناء قيامهما بعملهما الإنساني شمال معرة النعمان ، كانا ينقلان المصابين جراء قصف الطيران الحربي على مدينة معرة النعمان قبل شهرين. يتذكر ناصر كيف قامت الطائرة بقصف المكان نفسه مرتين لإيقاع أكبر عدد من الجرحى. يقول ناصر “رغم كل الصعوبات والأخطار التي تواجهنا أثناء العمل، أشعر بالسعادة عندما أساهم في عودة الأمل بالحياة بالنسبة للكثيرين.”