الأرضُ المزروعة بالألغام والضحايا
قضى عبد الله (37 عاماً) نتيجة انفجار لغم أرضي في محيط وادي الضيف. تقول زوجته: “بعد تحرير المنطقة أواخر عام 2014، بدأ زوجي بالذهاب إلى الأرض لإعادة تأهيلها وزراعتها ظناً منا أنها أصبحت آمنة، بعد أن حرمنا النظام من خيراتها على مدار ثلاثة أعوام متتالية. لم يكن زوجي يعلم بوجود الألغام في الأرض. فانفجر به أحد الألغام، وبقي في المشفى عدة أيام ومات بعدها متأثراً بجراحه”.
“سلامتك بالدنيا” عنوان حملة أطلقتها منظمة “اليوم التالي” في مدينتي دوما ومعرة النعمان وريفها. “للتوعية بشأن مخلفات الحرب وسبل الوقاية، وضرورة تجنبها والتبليغ عنها، لتفادي الأضرار الجسدية والنفسية الهائلة التي يمكن أن تحدثها هذه المخلفات”. بحسب ما يقول مدير الحملة أحمد مراد (37 عاماً).
ويضيف مراد “بعدَ القيام بدراسات واستطلاعات للرأي، توصلنا إلى أن الأهالي في المناطق المحررة بحاجة لهكذا حملات، واستهدفنا فئة الأطفال وطلاب المدارس، لأنهم الأكثر عرضة لمخاطر الإصابة. ظناً منهم أن الأجهزة القاتلة من قنابل وألغام ما هي إلا ألعاب أو خردة يمكنهم بيعها! لذا قام فريق حملة “سلامتك بالدنيا” بزيارة المدارس لتوعية الطلاب، بتوخي الحذر من الأجسام الغريبة والإبلاغ عنها.الحملة استهدفت أيضاً فئة الشباب، فعملت على توعيتهم من خلال عمل المجموعات. ليصبح كل شاب قادر على تدريب الآخرين على مهارات الحماية من مخلفات الحرب”.
هذه الحملة تأتي بالتنسيق مع منظومة الدفاع المدني في إدلب، التي تعمل على إعداد الخطط والبرامج المناسبة، للتقليل من مخاطر القنابل والألغام. وذلك من خلال تحديد الأماكن الخطرة وتحذير المدنيين منها والإستجابة الكاملة لتلبية نداءاتهم بالمؤازرة فور الإبلاغ عن وجود أجسام غريبة في مناطقهم.
عضو فريق الأمن والسلامة في الدفاع المدني محمد حمادة (39 عاماً)، يقول: “يستخدم النظام السوري القنابل العنقودية في قصف المدنيين، وهي قنابل تتألف من حاضنة كبيرة تحتوي على عشرات القنابل الصغيرة تنتشر فوق مساحات شاسعة من الأراضي. البعض منها ينفجر في الجو ومنها يتساقط دون انفجار، فتتحول إلى قنابل موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة في حال لمسها أو تحريكها”.

يؤكد حمادة “أنّ هذه القنابل تطال أرواح الأبرياء، كما تطال البيئة، حيث يخلّف انفجارها إنبعاثات سامة وبقايا كيميائية، تسبب أضراراً كبيرة لأجيالٍ قادمة”.
وبالإضافة لانتشار القنابل، هناك الألغام التي قام جيش النظام بزرعها في مناطق شاسعة من ريف إدلب قبل انسحابه. ويشير حمادة إلى “أنّ هذه الألغام، تشكّل خطراً كبيراً، فتستنزف بإزالتها الكثير من الأرواح والأموال على مدى عقود من الزمن”.
ويعمل الدفاع المدني على تدريب أعضاء فريق الأمن والسلامة على كيفية التعامل مع الألغام والقنابل والعمل على إزالتها وتفكيكها، من خلال دورات متخصصة، وعبرَ إرشاد الأهالي على جميع السلوكيات الآمنة في التعامل مع الأجسام الغريبة. وخصوصاً عبرَ توزيع منشورات ورقية في مختلف مناطق إدلب تحتوي على تعليمات السلامة والتحذير من الألغام والقنابل.
ويلفت حمادة إلى التحديات والصعوبات التي تواجه عمل فريق الأمن والسلامة في الدفاع المدني في إدلب، ويقول: “نحن نتحدّى المصاعب التي لن تكسر عزيمتنا في الوقوف إلى جانب الشعب السوري، الذي أودى به نظامه إلى الهاوية ليبقى متربعاً على عرشه. وسنحاول إنعاش الأمل في النفوس، والتخفيف من وطأة المعاناة بقدر المستطاع، لأننا على يقين أن إنقاذ حياة إنسان هو أعظم نصر بالنسبة لنا.”
نجا سعد (11 عاماً) من الموت. ويعود الفضل لإرشادات فريق حملة “سلامتك بالدنيا”، يقول سعد “ذهبت في الصباح الباكر لشراء الخبز من الفرن في معرة النعمان . وفي طريقي، وجدت قنبلة صغيرة ملقية على جانب الطريق ومخفية بين الأشواك. كنتُ أنوي التقاطها، لكنني تذكرت كلام المرشدين الذين زاروا المدرسة، وتحدثوا عن القنابل غير المنفجرة. فركضت مسرعاً لأبتعد عن المكان وأخبرت والدي عن القنبلة، ليقوم بدوره بتبليغ فريق الدفاع المدني.”